للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تلقاء الحوادث ضعيف فلا يقس أحد منكم مجهوده النزر القليل بمقياس الكمال) ومن خالف هذا القول كان مريض العقل بداء السخط مأفون الرأي مصدوداً عن الحق. ولكن لا ينس المرء مع ذلك أن تجعل الغاية نصب العين فإنه لا يقوم عمود صلاح الدين والدنيا على أساسه ويستقر في نصابه حتى ينزل الإنسان قريباً من الغاية فإذا لم يتم له ذلك انهارت دعائم الصلاح وتقوض رواقه. ونحن نعلم أنه ليس في العالم بناء يمكنه أن يشيد جداراً فيجعله في أقصى درجة العمودية أي أن يجعل الزاوية الحادثة بينه وبين سطح الأرض تسعين درجة بالضبط لا تنقص درجة ولا تزيد درجة كلا! فهذا مستحيل علينا فكيف باستحالته عملياً! ولكن إذا لم يدن البناء بالجدار من هذه الغاية بعض الدنو فأحر بجداره أن تنهار أركانه. وينهدم جثمانه. نعم إذا استهان بقانون العمودية وطرح مقياسه ومعياره وجعل يراكم الطوب بعضه على بعض بلا نظر ولا حساب كيفما اتفق فأجدر به أن تسوء عقباه ويشقي فإنه قد أغفل أمره ونسي نفسه. ولكن قانون التوازن - ناموس الطبيعة - لم ينس أن يسري عليه وعلى بنائه. وما هي إلا برهة حتى يسقط هو وبناؤه فيرتدا كثيباً مشوشاً ومعهداً خرباً! -

وهذا هو أصل كل فتنة وتاريخ كل ثورة وحديث كل انفجار اجتماعي في الأزمان القديمة والحديثة أجل إنما سببها هو أنك وليت الرجل العاجز وجعلت غير الكفؤ على رؤس الأعمال! - الرجل الخسيس السافل الدنيء الكاذب. ونسيت أن هنالك قانوناً أو ضرورة طبيعية تستدعي تولية القادر الكفء وظننت أنه لا بأس عليك أن تراكم الطوب بعضه فوق بعض كيفما جاء واتفق بلا قاعدة ولا حساب. والرجل الكاذب إذا وليته كان جديراً أن يتخذ كل كاذب خبيث مثله ومن ثم يروح أمر الناس مختل النظام مبدد الشمل. تأكل جوفه الخيبة ويهدم أركانه الشقاء والبؤس. وترى الملايين من خلق الله قد اضطربت عليهم أمور دينهم ودنياهم واسودت في عيونهم ظلمات اللبس والحيرة فهم يمدون الأيدي استهداء ولا هادي ولا مرشد ويبسطون الأكف استعطاء ولا مانح ولا رافد. حينئذ ينفذ قانون التوازن حكمه وتسري نواميس الطبيعة وهي التي ما غفلت عن العمل طرفة عين. فتثور الملايين ويجن جنونهم. ويسقط البناء والبناء.

إن من يفتش الآن المكاتب العامة والخاصة يلق بها أسفاراً ضخاماً. ومؤلفات جساماً.