للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إما حقاً مقدساً أو منكراً شيطانياً.

هذا أمر جدير بالنظر والتدبر. وخليق أن نذكره في جميع شؤوننا ولاسيما في أمر الزعامة والولاء أهم تلك الشؤون. وعندي أنه شر من مذهب حقوق الملوك المقدسة هو ذاك المذهب القائل أن العالم يدور على محور المصلحة الذاتية وتدبير الثورة وأنه لا معنى هناك مقدساً في تعاشر الناس وتخالطهم. وإني أكرر عليك قولي إنك إن تأتني بالملك القادر الكفء لأجعلن له عليَّ حقاً مقدساً. ولعل دواء أدواء الأمم في هذه العصور هو أن يوفقها الله بعض التوفيق إلى إيجد الملك الكفء وإن يلهمها طاعته والانقياد إليه إذا وجد! وإني أرى في الملك القادر - هادي الأمة في سبيل الأعمال الدنيوية - خلة الدين كذلك ومعنى القسوسية فهو أيضاً هادي الأمة في سبيل شؤونها الروحانية التي هي مصدر الشؤون الدنيوية فالملك لذلك رئيس الكنيسة أيضاً. ولندع بعد مذهب حقوق الملوك المقدسة يبلى في أجواف مؤلفاته أو قبوره لا نوقظ صداه ولا نستثير هامته.

وحقاً إن التماس الرجل الكفء والحيرة في ذلك لمن أشق الأمور وأجسمها! وتلك هي آفة الأمم في هذه العصور والأزمة الحرجة. هذه أوقات ثورات. وإني أرى بناة شؤون الدنيا قد اطرحوا المقاييس والمعايير وأغفلوا قانون التوازن فانهار البناء بهم فإذا هم والبناء خليط أنقاض مشوش! وليست الثورة الفرنسة هي مبدأ هذا التهدم والسقوط بل لعلها الغاية والنهاية ولا نخطىء إذا قلنا أن المبدأ كان منذ ثلاثة قرون أي منذ نهضة لوثر. وكان داء العالم إذ ذاك تحول كنيسة الله أكذوبة ووقاحتها وصفاقة وجهها إذ تدعي لنفسها القدرة على غفران ذنوب العباد بالدرهم والدينار. وكان هذا مرضاً في الدين - داء في الروح والجوهر ومتى أدوى الجوهر واعتل الروح فأحر بالحسم والظاهر أن يفسد ويدوي - ثم تزداد فساداً ومرضاً. لقد كان الإيمان قد فني وباد وفاض الشك وتفشى الجحود والإلحاد. وطرح البناء معياره ومقياسه وقال لنفسه أي قيمة لقانون التوازن وأي فضل في الحساب والنظام. ضع الحجر على أخيه كيفما جاء واتفق ولا يعنيك أن نجشم النفس مراعاة قانون أو حساب! وكانت العاقبة يا للأسف كما تعلمون! -.

وإني لأتبين اتصالاً طبيعياً والتئاماً تاريخياً ما بين مقالة لوثر إذ قال للبابا أنت أيها الملقب نفسه البابا أفكاً وزوراً ما أنت بأب في الدين ولا والد لنا في الله. إنما أنت أكذوبة يعجز