ولكن عبثاً أبتهل، وباطلاً أضرع، فقد أبى الزمن إلا الفرار والطيران، إني لأقول لهذا الليل أبطئ ولا تعجل ولكن الفجر يأتي عادياً فيطرد الليل ويبدد.
إذن فلنحب ولنحب، ولنعجل بهذه الساعة الهاربة الطائرة، ولنتمتع بالهوى ولننعم، ليس للإنسان من شاطئ يستقر عنده ولا ساحل، وليس للزمن من جانب يقف عنده ولا ضفاف، بل أن الزمن ليمر، ونحن في الأثر.
أيها الزمن الغيور الحقود، ما بال سويعات النشوة والطرب، حيث يرسل الحب نبعة السعادة. وعين الهناء! تطير عنا في سرعة أيام البؤس وزمان الشقاء!.
كيف. . . ألا تستطيع أن نقتفي آثار أيامنا الحلوة ورسومها، وطيف، أتمضي إلى الأبد، لأرجع ولأعود، هل فقدنا كل شيء، وحرمنا كل بهجة، أم الزمان الذي حبانا بها، ثم جاء فنزعها، لن يعود؟.
أيتها الأبدية، أي عالم العدم، بل أيها الماضي الراحل المتحمل، أيتها الهاوية السحيقة، الغاشية المظلمة! ماذا تصنعين بالأيام التي تلتهمين وماذا تفعلين بالساعات التي تبتلعين. . . تكلمي - ألا تردين علينا اللذائذ التي استلبت، والفرحات التي استرقت.
أيتها البحيرة! أيتها الصخور الصامتة الخرساء، أيتها الكهوف المظلمة، أيتها الغابة الكثيفة المعتمة، أنت وحدك التي يغفل عنك الزمن، بل أنت الذي يرد عليك الصبا والشباب.
أيتها البحيرة، الجميلة في صمتك وسكونك، وزمجرتك وحنينك، وعصفك ورنينك، في رابيتك الزاهرة وكثيبك، في هذه الصفصافات السوداء، في هذه الصخور الموحشة، القائمة فوق أمواجك، المشرفة على لججك وأه واهك.
سواء في الريح تئن ثم تمر، في خرير مدك المتدافع، أم في الكوكب الفضي وهو يشرق فوق أديمك بأشعته اللينة الناعمة، بل أن الريح وهي تنتحب، والجدول وهو يئن وعبق نسيمك وهو يتضوع. . . كل شيء نرى، وكل شيء نسمع، يقول لقد كنا عاشقين!.
الرحمة
بين اليقظة والمنام
جلت في المدينة جولة ليليلة فرأيت السقيم المأوف، والعديم المهلوف، والكليم المشغوف،