للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ورأيت الخليع الماسي الذي لا يرحم نفسه، والعتل القاسي الذي لا يرحم الناس، وسمعت من أخبار الشعوب، وأوضار الحروب، ما يغري بشق الجيوب. فقفلت إلى بيتي مثقل الرأس، مترع القلب، ونمت وأنا أقول أما في الأرض رحمة؟؟.

وما استغرقت في النوم حتى كأنني أصعدت إلى السماء وكأن ملكاً أخذ بيمناي وذهب يعرض على أسرار حجابها، ويفتح لي مغاليق أبوابها، حتى انتهينا إلى موضع فقال الملك ارفع بصرك واقرأ - فرفعت بصري فنظرت سطراً من نور رقمت حروفه بالكواكب والأقمار وإذا هو: خزائن السماء.

ثم تقدم على باب مكتوب عليه خزانة الرحمة ففتحها فإذا بها خاوية وحارسها نائم، وتقدم إلى باب آخر مكتوب عليه خزانة المال ففتحها فإذا هي خاوية كذلك.

قلت ما هذا؟؟

قال: لقد سمعناك العشية تشكو قلة الرحمة في الأرض، فاعلم إننا نسمع الناس من عهد أبيكم آدم يطلبون الرحمة والمال فوهبناهم منهما حتى فرغت خزائن الرحمة والمال، وشرعنا في أن نملأها بجانب من كنوز السماء التي ضاقت بها الخزائن والناس لا يطلبوها وها هي خزائن الحكمة والعلم والذكاء والأخلاق موصدة لا تفتح أبوابها إلا ساعة أو ساعتين في كل حقبة.

قلت: ولكنكم أسديتم الرحمة لمن لا يفيد بها ولا يستفيد.

قال: بل أعطيناها لمن سألها - سمعنا الحكماء والشعراء والمرضى والتعساء يصيحون الرحمة الرحمة فقلنا هاكم الرحمة، ولم نسمع أحداً غيرهم يطلبها فحبسناها عمن سواهم.

قلت هذا سبب الخطأ

قال: بل الصواب هذا.

قلت وكيف ذلك؟؟.

قال: أو كان يجعل عندك أن نبذل الرحمة لمن هو في غنية عنها. أم كان يعجبك أن تمسكها عمن هو في حاجة إليها وكيف لعمري يأخذ الرحمة إلا من هو أولى بها من الناس كافة؟؟.

قلت: أنا لا أفهم معنى للرحمة إلا إذا أسعفت من بلاء. فإن كنتم تبذلونها لأهل البلاء ففيم