للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بذلتموها؟؟.

قال: وفيم نبذلها لغير المبتلين وليس يعرف البلوى إلا أهلها. أفتدعونا إلى أن نخص طائفة من الناس بأنعم السماء كلها ومعها الرحمة والبلاء ويبقي الآخرون بلا رحمة ولا نعمة ولا بلاء - ذلك مالا ينتظم به أمر العالم الأرضي.

إنكم يا بني آدم تجتدون النعم وتلحفون في أجتدائها فإن أعطيتموها لم تحسنوا تصريفها فتلوموا القدر ولأنتم أحق باللائمة - تطلبون الرحمة فنرسلها إليكم فتقولون هلا بعثتم بها إلى الأغنياء. وإن سألناكم ولمه؟؟ أجبتم ليجودوا بالمال!! فكأنكم إنما تطلبون المال ولا تطلبون الرحمة. وكأن الذي أردتموه رحمة تحملها أكياسكم لا قلوبكم وتطلبون المال فإذا بعثنا به إليكم ترمونه في الدور والضياع ثم لا نلقيكم قانعين. ولا والله ما أردتم المال ولا الدور والضياع ولنكم أردتم ما في احتوائها من اللذة، وليت شعري إن كانت اللذة هي مبتغاكم فما أحجاكم أن تعلموا أنه قد تكون لذة ولا مال وقد يكون مال ولا لذة وإن ليس في الغني من اللذة أكثر مما في الفقر، لأنها إحساس في النفوس، والذهب متاع في الصناديق.

فعرفت أن أرسطو قد خدع أهل الأرض حين زعم أنه جاءهم بالمنطق بفصه. وأحببت أن لا أسترسل معه في الحوار فقلت فما بال الناس أشقياء بما عندهم من رحمة وحتام يظلون في شقوتهم هذه؟؟.

قال حتى ينتقل ما في هذه الخزائن إلى الأرض - فعلم الناس أن يطلبوا غير الرحمة فإن في أرضهم منها فوق كفايتها وهي لا تعوزهم وإنما تعوزهم نهاتي الكنوز المهجورة، وأنبئهم أنه ما دامت هي بعيدة عنهم فالأرض أرض والسماء سماء.

وإني لأفتح الباب لأنظر وراءه نظرة، فاندفع فكر على عقبه ورن له في السماء صرير نبه الحارس النائم فصحوت. وأنا أقول أليس في السماء رحمة؟؟.

عباس محمود العقاد