من أمره، وها نحن ننشر للناس بعض شذرات من الرسالة وقد وجه الخطاب فيها إلى أطباء المستشفى.
ـ ١ ـ
حتى هذه الساعة، وأنا أكتم عنكم يا سادتي الحق وأخفيه، ولكني أشعر الآن بقوة تدفعني على إظهاره، وستفهمون من معرفته أن حادثتي ليست من السهولة كما يبدو للنظر السطحي المتسرع البسيط، ليست حادثتي من تلك الجرائم العادية التي تقود إلى السلاسل والأغلال، وتسوق الجاني إلى الاشتمال في أكسية المجرم، وسترة القاتل، بل أن في جريمتي عنصراً رهيباً، بل أرهب مما تظنون، عنصراً غريباً موحشاً، ستنتفعون منه وتستفيدون.
إن الرجل الذي قتلته، اليكسين سافيلوف، كان رفيقي في المدرسة، ثم قريتي في الجامعة، وإن كانت وجهة درسي غير وجهته، وأنتم تعلمون أنني طبيب، وكان هو محامياً، ومحال أن يقال عني أنني كنت أبغضه، كنت أجده أبداً رقيق القلب، وثاب الشعور، فوار الإحساس، ولم أصادق دهري أحداً آخر من صداقتي له، ولكن لم يكن اليكسين، على الرغم من رقته ووجدانيته ذا شخصية كبيرة تلهمني الاحترام له، وتوحي إلى عاطفة التبجيل، وإن حلاوة طبيعته وتواضعه المدهش الغريب، وإن تقلبه في آرائه وعواطفه ومشاعره، أن تطرفه الشديد في أفكاره المتحولة المتغيرة، كل هذه كانت تضطرني إلى أن أعتبره طفلاً، بل أعده امرأة، وكان أصحابه وأهل وده أبداً هدفاً لثورة هذا الإحساس، وبركان هذا المزاج، ولكن ما أبعد الطبائع البشرية عن المنطق! إذ كانوا في الوقت نفسه يحبونه أعظم الحب، وكانوا يجتهدون أن يجدوا شفيعاً لهناته وهفواته، واقتفيت في ذلك أثرهم، فشاركتهم في الرأي، وجعلت أغضي لا لكين عن هفواته الصغيرة، نعم أقول الصغيرة وأصر على القول، لأن الكين كان عاجزاً عن أي شيء كبير، حتى في الهفوات، وإذا أردتم أيها السادة دليلاً على ما أقول فليس علي إلا أن أعد عليكم آثاره الأدبية. كلها سخيف حقير. وإن اثنى بعض النقدة الحمقى خيراً عليها. نعم هي لا شيئيات جميلة كما أن مؤلفها لا شيئية حسناً.
كان الكسيز يوم مقتله في الواحدة والثلاثين. كان أصغر مني بربيع ونصف، وكان الكسيز متزوجاً، وإذا كنتم أيها السادة قد رأيتم زوجته وهي محزونة أرمل. فما أنتم بقادرين على أن تعلموا كيف كانت قبل المقتل، إنها فقدت كثيراً، هذه وجنتها قد ذبلت، وهذا خدها الأثيل