للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قد أظلم، هذه بشرتها الناعمة قد ظهر فيها التخدد والغضون، كانت تحب زوجها أعز الحب، هذه عينها لا تشرق ولا تلمع كما كانت بالأمس، ولم تعد تضحك وكانت أبداً مومضة ضاحكة، وقد رأيتها عرضاً في فناء دار الشرطة، فكدت أصعق للتغير الذي طرأ عليها، إنها لم تستطع أن ترمقني بلحظة ساخطة متوحشة مفترسة، واهاً للمسكينة!.

كان هناك ثلاثة فقط، الكسيز وتاتيانا وأنا، هم الذين يعلمون وحدهم إنني منذ خمسة أعوام قبل زواج الكسيز بعامين كنت سألت تاتيانا يدها فرفضت الطلب وأعرضت. ولكن من الحماقة أن أقول لم يكن هناك إلا ثلاثة فقط، لا ريب أن لتاتيانا حلقة من الأصحاب والأحباب. والصواحب والحبائب. وكلهم قد علم - ولا شك - بأن الدكتور كرجنتزف طلب يوماً إليها الزواج. فكان نصيبه حرارة الرفض.

إني لأتساءل أتراها تتذكر أنها ضحكت في ذلك اليوم، نعم إنها كم ضحكت في الدهر مراراً وكم ابتسمت، ولكن ذكروها أيها السادة بأنها في الخامس من شهر سبتمبر ضحكت فإذا أنكرت وهي لاشك منكرة، فذكرها أنها حقاً ضحكت، وأنا الرجل القوي العتيد، الذي لم يسكب عبرة واحدة، ولا ذرف يوماً دمعة منحدرة، ولم يعرف الرعب ولا الخوف، وقفت يومذاك أمامها مرتجفاً مرتعداً، رأيتني مرتجفاً ورأيتها تعض شفتها، ففتحت لها ذراعي لأضمها، فرفعت عينيها، ورأيت تينكم العينين تضحك، هنا تراخت ذراعاي، وراحت هي تضحك، وضحكت كثيراً، كما شاءت ولكنها عادت بعد ضحكاتها فاعتذرت.

قالت، وعيناها لا تزالان تضحكان (أتوسل إليك أن تصفح) فابتسمت أنا كذلك، ولو استطعت الآن أأصفح عن ضحكها، فما أنا بمستطيع أن أصفح لنفي عن تلك الابتسامة!.

حدث ذلك في الخامس من سبتمبر، الساعة السادسة من المساء على حساب سان بطرسبرج. أقول على حساب سان بطرسبرج لأننا كنا في تلك الساعة على أفريز المحطة، وها أنا لا أزال الآن أنظر إلى ساعة المحطة وأتبين موقع عقربيها، أحدهما في رأس الساعة والآخر في أسفلها، وفوق ذلك فإن الكسيز قتل في الساعة السادسة تماماً، وهذا لعمري اتفاق غريب، اتفاق ذو معان كبيرة عند الرجل اليقظ البصير.

قلتم يا سادتي إن أحد الأسباب التي صاقتني إلى هذا المستشفى هو أنكم لم تجدوا أي باعث على ارتكاب الجريمة، فهل تجدون اليوم باعثاً، قد تقولون الغيرة، ولكنكم على ضلالكم