القديم، إن الغيرة من شأن الطبيعة الحادة، والمزاج المستعر الناري، وليست من شأن رجل هادئ المزاج رصين العقل بارد الروح كشأني، إذن فهل يكون الانتقام؟ نعم هذا أقرب إلى الحق وإن كانت إلا كلمة قديمة لإحساس جديد وشعور غريب مجهول.
هنا لابد لي من أن أقول أن تاتيانا خيبت ظني مرة أخرى، كنت أعتقد أنها بزواجها الكسيز وأنابه خبير لن تجد الهناء يوماً واحداً، وأنها ستندم على رفضها مطلبي ولهذا السبب اجتهدت في تعجيل زواجهما. وكان الكسيز قد راح بها صبا.
قال لي قبل فاجعة مقتله بشهر (إنني مدين لك بهذه السعادة) ثم التفت إلى زوجته يسألها (أوليس كذلك يا زوجتي؟).
فنظرت إلي ثم تمتمت (نعم) وضحكت عيناها فضحكت، وضحكنا جميعاً والكسيز يضمها إلى صدره، وكانا لا يستحييان من شيء أمامي.
قال الكسيز (نعم، إنك يا صديقي قد خسرت الصيد).
هذه النكتة الباردة المؤلمة الثقيلة هي التي قصرت من حياته أسبوعاً كاملاً، لأنني كنت قد أجمعت أول الأمر أن لا أقتله حتى اليوم الثامن عشر من ديسمبر.
أجل، كانت الحياة قد طابت للزوجين، ولاسيما تاتيانا فقد كانت سعيدة السعادة كلها وأما الكسيز فلم يكن حبه لها في أعشار قلبه، لأنه يعجز عن أي حب عميق، وكان الأدب ملهاته يؤثره على مناعم البيت ومباهج الزواج، ولكن هي! هي لم تكن تحب إلا هو، وكانت لا تحيا إلا له هو، وكان أبداً متوعك الصحة، ينتابه الصداع، وينهكه الأرق، وكانت تاتيانا ترى في تمريضه والعناية برغباته أعظم السعادة، وأكبر النعمة، والمرأة يوم تحب، تفقد كل شخصيتها.
كذلك كنت أرى كل يوم وجهها المبتسم ومحياها الباهر المشرق الناعم فكنت أقول لنفسي وأتساءل (أنا سبب كل هذا، أردت أن أرسفها في غل زوج مغفل لكي ترى بنفسها مبلغ خسارتها يوم رفضتني فإذا بي أراني قد جئت إليها بالرجل الذي أحبت!) وأنتم يا سادة ترون غرابة موقفي، كانت أخصب ذهناً من زوجها كانت تحب حديثي وتطارحنيه، فإذا انتهينا من الحديث تركتني في رفق مبتهجة إلى ذراعي زوجها!.
ولا أستطيع أن أتذكر متى كان أول تفكيري في قتل الكسيز، وكل ما أعلم أنني ألفت هذه