للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سلطان المال وفضله على كل شيء. بل أني أحد القائلين بأنه لا ضير على الحر أن يكون فقيراً وأنه يجب أن يكون من الفقر محك لأذهان الكتاب ومعيار لقيمهم وأقدارهم. وقد أوجدت الكنيسة النصرانية فرق الشحاذين من رجال أبرار قدرت لهم الشحذ والتسول ورأت الكنيسة أن ذلك من أسباب نشر روح الدين وتأييده. وهل أسست النصرانية نفسها إلا على الفقر والحزن والاضطهاد والصلب وسائر أصناف الغم والمهانة؟ ولنا أن نقول أن من لم يعرف هذه الأشياء فيتعلم منها درسها الذي لا تقدر قيمته فقد فاته من فرص التعليم أثمنها. ومن أسباب التقويم والتثقيف أمتنها: ومن فوائد التربية والتهذيب أكرمها وأحسنها. ولم تكن الشحاذة والحفاء ولبس المسوح وشد الحبال في الأواسط بالشيء الجميل أو الجليل في أعين الناس حتى جمله وشرفه مزاولة الكرام له وإتيان الجلة الأشراف إياه.

وليس موضوع الشحاذة من أغراض هذا الكتاب ولكن من ذا الذي لا يقول بأن كاتباً كجونسون لم ينفعه الفقر وتفده الفاقة؟ ولقد كان مثله جديراً أن يعلم أن المال أو النجاح كيفما كان لم يكن الغرض الذي يسعى ليدركه. وكان ملياً أن يعرف أن فؤاده لم يخل مما قد جبلت عليه سائر القلوب من الكبرياء وحب الذات بجميع شعبه وفروعه. وأنه من أوجب الواجب اقتلاع هذه الأغراس اللئيمة من تربة النفس. ثم اذكروا أن بيرون مع غناه وشرف نسبه كان أقل فائدة وأصغر مأثرة من بارنز مع فقره وضعة نسبه. وما يدرينا أنه إذا وجد في المستقبل البعيد ذلك النظام المنشود كان الفقر لا يزال ركناً من أهم أركانه وكان الكتاب - أبطالنا الروحانيون - لا يزالون طائفة من الشحاذين متاحاً لهم العوز والتكفف حتى يجنوا مافيهما من كرائم الثمرات وينتفعوا بهما انتفاع غيرهم باليسار والغني؟ ولا أنكر أن الطيب الكثير يبلغ بالمال. ولكن ما يبلغ بالفقر أطيب وأكثر: وإنما علينا أن نعرف حد المال فنقف عنده ونعلم أن ما زاد على ذلك فضول حقه الرد والرفض.

هذا ولو فرضنا وجود الامدادات المادية والرسوم المالية فأنى لنا بمعرفة الكاتب الكبير الذي يستحقها؟ أنه لا بد قبل ذلك من أن يجوز الامتحان اللائق. وأرى أن الحياة الأدبية - تلك التي كلها فوضي يتلاطم موجهاً ويتصادم لجها. هي نوع من الامتحان وما زال هناك عنصر من الحق في قولهم أن الجهاد في سبيل الصعود من وهاد الطبقات السفلى إلى ذرى الطبقات العليا هو من الأمور التي لا بد من بقائها لما يترتب عليها من استمرار رقي