للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الآداب إلا في نحل الهند وفي الأديان التي جاء بها موسى وعيسى ومحمد على أن هذه الأديان الأخيرة لم تضع آداباً جديدة ولا اشترعت حدوداً من الأخلاق حديثة وإنما عمدت إلى عدة من الآداب الموجودة في الأمة فأمدتها بشيء من القوة وكفلت لها شيئاً من الضمانات وجملة هذه الضمانات أمل الثواب وخشية العقاب في حياة أخرى آجلة ولكنها في الوقت نفسه سهلت الظفر بالمغفرة فرفعت عن الخوف من العقاب ذلك الأثر الذي كانت ستحدثه في قلوب السواد الأعظم من الناس.

وفضلاً عن ذلك أن الباحث لا يعوذه إلا أن يضرب في الأرض ويدرس الناس على حقائقهم خارجين عن دائرة كتبهم وتعاليمهم حتى يعرف أن الدين مستقل عن الآداب كل الاستقلال إذ لو صح أن بينهما أسباباً وتلازماً حقيقياً لكان أكبر الأمم تمسكاً بالدين أكبرها حظاً من الآداب. ولكن ذلك في الحقيقة خلاف ما هو واقع فإن أسبانيا والروسيا وهما أشد ممالك الغرب استمساكاً بشعائر الدين لا تزال آدابها في مستوى منحط ضعيف ومن ذلك يتقرر أن الباحث في حالة الآداب عند أمة من الأمم لا يصح أن يتلمسها في دين الأمة أو يتوخى أسبابها من نحلتها على أنني أكرر القول أن الأديان جميعاً تحتوي مبادئ من الآداب عالية وأنها لو اتبعت لرجع إلى الأرض عصرها الذهبي لكن طريقة إتباع هذه المبادئ تختلف باختلاف الوسط والزمن والجنس وغيرها ولذلك نرى لكل أمة من الأمم المشتركة في دين واحد آداباً تختلف عن آداب شريكتها اختلافاً كبيراً وهذا ينطبق على الأديان جميعها ومن بينها الإسلام فإن آداب القرآن سامية عالية ولكن كان فعلها مختلفاً جسد الاختلاف تبعاً للشعوب والأوساط والعصور والأجيال فقد كانت آداب العرب في صدر الإسلام وأوائل عصوره أسمى كثيراً من آداب الأمم المعاصرة لها وفي طليعتها الشعوب المسيحية وقد كان عدلهم واعتدالهم وإحسانهم وسماحتهم في معاملة الأمم المهزومة واحترامهم لشعائرها وطقوسها وتلك الشخصية الفروسية التي طبعوا عليها كل ذلك كان حقيقياً بالإعجاب خليقاً بالدهشة والإجلال بل كانت على نقيض آداب الأمم الأخرى ولاسيما الشعوب الغربية في عصر الحروب الصليبية.

على أننا إذا جارينا الناس فنسبنا للدين من التأثير ما ينسبون له عادة لوجب علينا أن نقول إن آداب القرآن كانت أسمى بكثير من آداب الإنجيل. إذ كانت الأمم الإسلامية على آداب