للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أرقى كثيراً من آداب المسيحيين ولكن ما قررناه من استقلال الآداب عن الأديان يثبت فساد استنتاج كهذا فلئن كانت هذه الآداب سامية في بعض العصور فقد انحطط انحطاطاً كبيراً في غيرها فإن سيادة الأتراك المتراخية والمتسلطة والنظام السياسي الذي بسطه فوق الممالك التي تحتها وضعاً كثيراً من آداب الشرقيين فإن مملكة تكون فيها أهواء الوالي وجنده وصنائعه وهي القانون الفذ والشرع الذي لا حول عنه ولا مرد حيث يكون كل فرد هدفاً لعسف ألف طاغية صغير لا هم لهم ولا مطمع إلا في الغنى والثراء حيث لا عدل يبتغى ولا نصفى ترتجى وحيث لا تستطيع أن تظفر بشيء إلا بقوة الذهب وسلطان المال نعم أن مملكة تعيش في جو كهذا يروح الفساد فيها عاماً شاملاً وعند ذلك لا تستطيع أن تقع فيها على أثر من الآداب أو شبه أثر ومن ثم أصبحت آداب الشرقيين بحكم الضرورة والقهر في مستوى منخفض منحط وإن كان القرآن بريئاً من هذا الانحطاط كما أن الإنجيل بريء من الانحطاط الأخلاقي المشهود بين الشعوب المسيحية التي تعيش تحت هذا النظام.

وما تقدم يكفي لإظهار ضعف أساس ذلك الرأي السائد اليوم في الغرب وهو أن الدين الإسلامي هو الذي أفضى ببعض شعوب الشرق إلى حد بعيد من الانحطاط الأخلاقي الذائع اليوم بينها وهذا الرأي يقوم على سلسلة من الأغلاط والأكاذيب هي أن القرآن هو الذي سن تعدد الزوجات وإن مذهب القضاء والقدر الذي يزعمون أن القرآن بثه هو الذي أدى بالناس إلى البلادة والخمول وإن محمداً لم يفرض على شيعته إلا شعائر بسيطة يسهل الاستمساك بها والقارئ المتتبع لما كتبنا يعرف إلى أي حد من الخطأ والفساد تجري هذه الآراء فقد أثبتنا أن تعدد الزوجات وجد في الشرق كله قبل أن يخرج محمد إلى العالم بعدة من القرون وإن القرآن لم يكن أشد قدرية من أي كتاب ديني آخر ولئن كان العرب قدريين بطبائعهم فإن عقيدة القضاء والقدر لم تؤد بهم كما يزعمون إلى البلادة والخمول وهم قد أسسوا بنياناً من الدولة شامخاً وأثبتنا كذلك أن المبادئ الأخلاقية التي جاء بها القرآن تعادل في سموها وكمالها ما جاءت به الكتب الأخرى ولو صح أن القرآن هو الذي حط من المسلمين لارتقبنا من أولئك الشرقيين الذين لم يكونوا بطبائعهم قدريين ولم يأخذوا بتعدد الزوجات أمثال مسيحيي الشرق أن يكونوا بنجوة من هذا الانحطاط ولكني لا أعرف من البحائين الذين درسوا الشرق من لم يجد نفسه مضطراً للاعتراف بأن آداب هؤلاء