للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إذا هي تفاعلت بكيفية مخالفة للخطة التي يدور على محورها نظام الكائنات الحية الواقعة تحت حواسنا.

أما الذين يرمون الدنيا بفساد الفضيلة فقد صح رأيهم لو ساغ لنا أن نزن العالم بمعيار الفضيلة المصطلح عليه بيننا. ولكن بأي حق نفعل ذلك. إن قانون الفضيلة عندنا لا يزال رهناً بالزمان والمكان يتغير بتغيرهما فهو في انتقاله من شكل إلى شكل وتحوله عن صورة إلى صورة كالأزياء واختلاف ضروبها. ففضيلة القرن التاسع عشر هي غير فضيلة القرن الثامن عشر ومحامد العصر الحاضر هي مذام العصر الغابر بل أن قانون الفضيلة في العصر الواحد تراه متنافر الأجزاء يناقض بعضه بعضاً فهو يعد القتل جريمة إذا وقع من الفرد ومكرمة ومأثرة إذا قامت أمة مسلحة فأوقعته جملة على أمة أخرى. وهو يعد الغش والكذب رذيلتين وتراه مع ذلك يجيزهما في باب السياسة وهاك أمة عظيمة راقية - أعني الولايات المتحدة - تخص السرقة والنهب بأصرم العقوبة إذا صدر عن الفرد ولكنها تتغافل عن هذين الجرمين إذا وقعا من الجماعات والمدن والولايات بإعلانها الإفلاس الكاذب وتزويرها على أرباب الديون. وقانون الفضيلة اليوم جد مخالف لما كان عليه في سالف العصور، وأكبر ظني أنه سيكون شديد المخالفة لما سيكون عليه في مستقبل الأيام. وبالإجمال فالفضيلة إنما هي بيان لتلك الأمور التي تعتبر ضرورية من وقت لآخر طبقاً لحالة الجنس البشري وهذا البيان يوضع في أسلوب أوامر ونواه أدبية وقوانين وقواعد أخلاقية. وبتدرج الطبع الإنساني في الرقي تتغير بعض مقتضيات نجاحه وتغير هذه يستلزم تغيراً في مواد قانون الفضيلة والرذيلة أعنى يتغير رأي المجتمع في ماهية الخير والشر - المحظور والمباح - الحسن والقبيح. أفمثل هذا الميزان المزعزع والمعيار المتقلب تقاس به ظواهر الطبيعة وتختبر حركات الكون؟ وهل شي لم يسلم بصحته السلف. ولن يقر بصوابه الخلف. يجعل قانون الطبيعة الأبدي. وناموس الكائنات الأزلي؟ أما أني لا أرى الفيلسوف الذي يسخط على الكون وينسب إليه الطغيان والجور وإلى خلقه الفساد واللؤم إلا كالفتاة الغرة التي قد ساءها أن ترى الجو محالف الزرقة فهي تسوم السماء أن تلبس كل يوم لوناً يلائم صبغة حليها وحللها وبغير ذلك لا تنال السموات رضاها.

إن فلسفة أرسطاليس القائلة بتشريف الإنسان على سائر الخلائق قد ظهر بطلانها في