للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمجر شعوباً صغيرة ليس له سبب سوى عجز هذه الشعوب عن بلوغ منزلة الأمم العظمى. لقد كان عدد الأمة الانكليزية في عهد الفرد إلا كبر مليونين من الأنفس ولعل سكان اسكاندينفيا في هذا العهد كانوا لا يتجاوزون هذا العدد. فاليوم قد بلغ سكان انكلترا أربعة وثلاثين مليوناً على حين أن جميع سكان اسكاندنيفيا لا يعدون ثمانية ملايين. ولا يمكن أن تكون الأحوال الجوية وطبيعية الأرض هي سبب هذا البون البعيد. بدليل أنه ليس هنالك فرق أساس في الجو والتربة بين انكلترا من جهة وبين الدنيمارك وجنوب النروج والأسويج من جهة أخرى. أضف إلى ذلك أن الانكليز لم يحصروا أنفسهم في جزيرتهم ولكنهم فاض فائضهم على وجه المعمور وعمر طوفان قوتهم الجم العديد من أرجاء الدنيا فاستعمروا من العالم أضخم جزئيه، وأجزل شطريه، وكذلك ليس إلى عوامل الجو والتربة مرجع هذه الحقيقة وهي أن في أوائل القرن التاسع كان عدد سكان فرنسا اثنين وعشرين مليوناً وهو الآن ثمانين وثلاثيون مليوناً إلى تسعة وأربعين مليوناً. فالفرنسيس أكرم تربة وأحسن جواً وأوسع متقلباً. ولكنهم قصروا مع ذلك عن مساواة الألمان في كثافة العدد. وعلى ذلك فمسألة العد راجعة إلى ظاهرة جوهرية وخاصة فسيولوجية متأصلة في الأمة من مبدأ أمرها وهذه الخاصة وأن أثرت فيها عوامل الدم الدخيل والأحوال المعاشية السيئة تأثير تبديل أو فساد إلا أنها تستعيدت مع صلاح الأحوال قوتها وتؤدي في النهاية إلى هذه النتيجة التاريخية المحتمة وهي أن إحدى الأمم تنتشر في مساحة فسيحة من الأرض وتزداد على ممر القرون عدة وعدة إلى أن تحكم القارات العظيمة بحذافيرها على حين أن قرائتها ولداتها في الصبا اللواتي لم تك تفضلين بادئ بدء يصبحن قد تبلدن وراءها ونكان ونيا ووهنا وفتوراً ثم لا يزال في تناقص وتضاؤل حتى يعدن خيالات لما كن من قبل أو يمتن فينقرضن البتة.

وكذلك يؤول الأمر إلى قارة أوربية خلاف أوربا الحالية - قارة أوربية قد وفقت إلى التوازن الداخلي الصحيح، وشعوبها القليلة الباقية قد بلغت من القوة والوحدة والمساحة أقصى ما يستطاع بلوغه ببذل غاية مجهود قواها الحيوية. حينئذ ترى إحدى الدول الأوربية تحترم الأخرى وتعدها ظاهرها مخلدة من الظواهر الطبيعية التي لا يعروها تغير ولا تبدل فهي أبدية سرمدية. حينئذ نعد الحدود بين الممالك أشياء ثابتة كالحد بين اليابس