للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والماء. ولا يفكر روسي في غزو جرمانيا أو جرماني في دخول إيطاليا إلا إذا فكر عصفور في أن يعيش تحت الماء أو فكر حوت في الإقامة على رأس جبل، حينئذ تتوجه كل أمة إلى إصلاح شؤون معاشها وتحسين أحوال بقائها وإزالة كل عقبة تعترض في سبيل استرسال الفرد في جميع مناحي الرقي وبلوغه أقصى الغايات في كافة أغراض الحياة وتمنع من إدراك أسمى منازل الخير والسعادة للفرد والجماعة. ثم تتوسل أخيراً سواء بطريق الرقي السلمي التدريجي أو بالثورات العنيفة إلى أن تشيد من النظامات الحكومية والاجتماعية وتنشئ من نواميس المسائل والشوؤن المعاشية ما يعد في رأيها أو في رأي أغلبيتها أنه الأصلح. فالتوسع العظيم في استخدام قوى الطبيعة (الكهرباء والبخار والماء الخ) واختراع الآلات العجيبة يمكن الأمة من الاستغناء عن تسعة أعشار العمال المشتغلين الآن في المصانع فبفضل النظام الاجتماعي المؤسس على الشركات المسؤولة تتحول طوائف عما المصنوعات إلى طوائف لاستهلاك هذه المصنوعات أعني أن طوائف الصناع وأرباب المصانع الصغرى تخلو أيديهم من العمل بتعطل وظائفهم لمزاحمة الشركات إياهم فيصبحون هم الذين تعمل لهم المصنوعات ليستهلكوها بعد أن كانوا هم أرباب المعامل والعمال. وبناء على ذلك فإنهم يرجعون إلى المزارع والحقول ليستدروا بالفاس والمحراث أقوات الأمة من أخلاف الثري ويستمحنوا الطبيعة رزق اليوم فالغد والأمة في أثناء كل ذلك لا تزال ترقى وتكثر فتزدحم الناس وتكثف وتحتشد ويضيق مجال الفرد ويقل نصيبه من مساحة البلاد ويزداد معترك الحياة حرجاً وضنكاً ويشتد الكد والكدح فترتقي وسائل الزراعة وتربية الأنعام وتستحيل البلاقع القفار جنات ناضرة والأنهار والبحيرات صهاريج للسمك وتخرج الأرض من مكنون خيراتها ما لم يكن في الحسبان. ولا خطر في حلم وسنان. غير أنه كما قبل في الأمثال لكل سائلة قرار ولكل راكض غاية ولا بد أن تجيء ساعة يبلغ الفلاح منتهي مجهوده من الكد وتبلغ الأرض أقصى طاقتها من الجزاء والمكافأة وهنا تقوم مسألة التموين في وجه الأمة كشبح عفريت أو خيال جان - من أين يجلب القوت لأمة تكاثف على الإصلاح والرقي عددها وطالت بفضل تقدم العلوم والفنون أعمارها؟ كيف يرزق أولئك الجموع المحتشدة من صغار يحملون عنوان النجابة والفلاح وكبار يجودون بثمرة الفوز والنجاح؟