على أنه مهما كان من خطأ التعبير وفساده فإن الغرض الذي يقصد به إليه قد عم العالم وتجلت مظاهره في كل حياة الجيل الحاضر ومعيشته، فقد اشتد الاضطراب بين الناس، وعظم الفساد، واستتب الانحطاط، وفشت المتاعب والهموم، وقست الحياة، حتى ساد الوهم بين الناس، إن العالم موشك على الانطفاء والخمود والفناء وإن العصر الحاضر هو آخر ما يطلع على العالم من العصور، وختام ما يدور به الزمان ومن ثم ترى كلمة (آخر زمن) ليست فقط اعترافاً بفساد الجيل، بل تسخطاً كذلك من هذا الفساد وشكاة وتبرماً.
ولكن إشفاق الناس اليوم وتخوفهم من وقوف دورة الزمن، وفناء عالم الأرض، ليس بالأمر المستحدث الجديد، فقد استولى نفس هذا الخوف على الأمم المسيحية عند حلول عام ١٠٠٠ من الميلاد ولكن هناك فرقاً بيناً بين فزع أهل ذلك الزمان وبين فزع أهل (آخر زمن)، فإن قلق أولئك وفزعهم من مقدم ذلك العام لم يثر فيهم إلا لأنهم كانوا يحسون نعمة الحياة وبهجتها وانتعاشها، وكانت لهمه قلوب حساسة خفاقة، وأرواح متوثبة ومناعم حلوة بهيجة، فعز عليهم أن يلقى في روعهم أن الأرض عما قليل مُسفَّة بهم، ولا يزال فيها كؤوس تحتسي، ورضاب شفاه يرتشف، وهم يحسون أنهم لا يزالون قادرين على التمتع بالخمرة والحب، وأما فزع (آخر زمن) فليس فيه شيء من هذا، بل هو يأس رجل مريض، يحس أنه يحتضر ويدنو رويداً إلى الموت، في وسط هذه الطبيعة الجميلة الزاهرة المتفتحة.
ونحن نجيء إليك بطائفة من الأمثلة التي تقال فيها كلمة (آخر زمن). . . . ملك يعتزل الملك ويرحل عن بلده فيعيش في باريس في مغنى جميل، ويحتفظ عند الحكومة التي خلفته على الملك ببعض الحقوق والرتب والامتيازات، ثم يمضى زمان فيخسر على مائدة القمار أكثر أمواله، فيقع في معسرة شديدة، فلا يجد مخلصاً له إلا أن يخابر حكومة بلده في أن تعطيه مليوناً من الفرنكات، في سبيل تنازله آخر الدهر عن حقوقه وألقابه وامتيازاته. . . هذا ملك (آخر زمن).
قاتل شرير يحكم عليه بالإعدام ثم تشرح جثته بعد الوفاة، فيجيء مفتش الشرطة فيقتطع له قطعة من جلد الجثة بعد تشريحها فيدبغها ويصنع له منها محفظة للفائفه وبطاقاته. . . شرطي (آخر زمن).