للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أعراض المرض ومظاهره

أدخل قصور الأغنياء وذوي البسطة في العيش، والمترفين من سكان الحواضر والمدن، وأخطر في دروبها ومنافذها وحجراتها، ونبئني. ماذا نجد؟

أن أول ما يهجم عليك من مظاهر هذا المرض، أزياء النساء والرجال والأطفال، هذه الأثواب الغريبة الأشكال والألوان، هذه الحواشي والقُوارات والمزركشات والمتعرجات، وهذه الشرائط والأكمام والمخرمات، وهذه الربْطات التي تظهر لك ألوان الطيف الشمسي ومخاليطها وأصباغها، وهذه الأفرع المعقوصة والذوائب المرسلة، والسوق السمينة اللطيفة، والنحور الناصعة الجميلة، وهذه الحواجب المزججة المكتحلة، والخدود الأرزية الطلاء، والوجنات الوردية الدهان، والشفاه المحمرة المصبوغة، ثم دع ثياب النساء وبزاتهن، وانظر إلى الأطفال وهم في غرائب أثوابهم وفساتينهم بين سترة حمراء كسترة الجلاد في القرون الوسطى إلى سترة مذهبة كسترة القائد العظيم، وبعد ذلك تحول إلى بزات الرجال تر العجب العجاب، تشهد ضروباً شتى من الغرائب والمضحكات، بينا ترى السترة المتقاصرة لا تكاد تحجب الإعجاز، إذ تصدمك السترة الطويلة تنزل إلى أسفل من الركبة، ثم لا تنس الشعور الملواة، والمفروقة والمدهونة، والمفرق المقصوص، والطرة المسترسلة، والفود المتأود، والمنديل المطل من الجيب، والعصاة الذهبية، والمنشة البيضاء العاجيَّة.

وهذا وأنت إذا دققت البصر رأيت أن كل فرد من هؤلاء يحاول بما يبتكر من الأغراب في التفصيل والتقطيع والخياطة واللون، أن يهتاج التفات الناس واندهاشهم وإن كل فرد منهم - الرجل سواء في ذلك والمرأة - يريد أن يحدث للناس ضرباً من التهيج العصبي الشديد، وغاية الجميع من هذه البزات الغريبة أن يحدثوا تأثيراً ما، مهما كان الثمن، ومهما كانت التضحية.

ثم يأتي من بعد ذلك نظام البيت وأثاثه ورياشه، فإن كل شيء في هذه المغاني والقصور بهيج الأعصاب، ويذهل الأبصار، ويزيغ الحواس، فإن هذا التنافر الظاهر في كل نفائس الحجرات وطرائفها، وهذه المعارضة البينة في الألوان والأشكال والترتيب والوضع والتنسيق - كل ذلك يراد به إدهاش الناس وتهييج أعصابهم، وتضليل أبصارهم وحواسهم.

ثم تعال نلتمس أصحاب هذه البيوت في مجتمعاتهم وملاهيهم والأمكنة التي يختلفون إليها،