الكتاب فلا تجعل همك معارضة ما تقرأ ومناقضته ولا التسليم به والتصديق ولا اللهو ودفع الملل وإنما نقد الكلام ووزنه - واعلم أن من الكتب ما يتذوق ومنها ما يسترط (يزدرد ويبتلع) وقليل جداً ما يمضغ ويهضم وبيان ذلك أن من الكتب ما يتصفح ومنها ما يقرأ لكن بغير تدقيق وتدبر وقليل ما يقرأ كله مع التأمل والانعام ومن الكتب مايكلف الرجل أن يقرأها ثم يعطيه أحسنها وإنما يكون ذلك في القل قيمة وقدراً والمختارات فيما عدا ذلك كالمياه المقطرة لا طعم لها. والقراءة تترك الرجل مفعم الوعاء فياض الإناء والجدال يتركه سريع الخاطر شديد العارضة والكتابة تصيره محكم الحساب مستجمع الفكر فلذلك إذا كان الرجل قليل الكتابة احتاج إلى أن يكون قوي الذاكرة ضنين الحافظة وإذا كان قليل المناظرة استحق أن يكون طلق البديهة حاضر الذهن وإذا كان قليل القراءة وجب أن يكون كثير الدهاء حتى يوهم الناس أنه عالم بالذي لايعلم والتاريخ يترك قارئه حكيماً والشعر يتركه لبيباً والحساب يجعله سريع الذهن والفلسفة الطبيعية تصيره عميق النظر. وعلم الأخلاق يدعه شديد الوقار كثير الجد وعلوم البلاغة والمنطق ترده قديراً على المحاجة جلداً على المجادلة: وما من عورة في الذهن إلا ولها من بعض العلوم سداد ولا مرض في العقل إلا وله دواء في هذا الفن أو ذاك كما تداوى الأمراض البدنية بأنواع الألعاب فالكرة لمرض الكلى والرماية لداء الرئة والصدر والسير اللين لعلة البطن وركوب الجياد للدوار والصداع فكذلك إذا كان بعقل الرجل شرود فعالجه بعلوم الحساب لأنه إذا شرد به ذهنه أثناء البرهان أدنى شرود اضطر إلى إعادة الدليل وإذا أتى الرجل من ضعف تمييز ومعرفة بالفروق فداوه بالأدب لأن الكتاب قوم يجزئون الذرة ويقسمون الهباءة وإذا كان يعجز عن تشبيه الشيء بالشيء والاستشهاد على ذلك الأمر بذاك فاجعل له جولة في قضايا المحاكم وهكذا لكل داء من علل الذهن دواء.
خطرة ضمير
للأديب المفضال محمد أفندي صادق عنبر
يا نائياً والفؤاد في أثره ... مضناك سله إن شئت عن خبره
قد عزه شوقه فأسهره ... يا ويح للمستهام من سهره
يطوى من الليل برده تعبا ... لم يشك من طوله ولا قصره