للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

السماء. . .

الآن قامت الثورة. . . وقد بلغت أخبارها الدير فضج لها أهله، وتولى الجميع الرعب والخوف، وراع قلب جوسلان مقتل الملك ومذابح سنة ١٧٩٣، ثم انتهى إليه أن بيته الذي درج فيه وليداً قد أحرق واندكت جدرانه، وإن والدته وأخته قد ركنتا إلى الهرب، ثم سمع بعد ذلك بأيام أنهما قد هجرتا أرض فرنسا، ولكن لم يلبث الدير كذلك أن انقض عليه الغوغاء فذبحوا من سكانه من ذبحوا، واعتصم الآخرون برؤوس الجبال ومعاصم الكهوف، وقدر لجوسلان النجاة من شر الثوريين وجنتهم، فلاذ بقمة مهجورة متناهية في وهاد الألب، عند كهف هناك يسمى كهف النسور دل عليه كان شيخاً متهدماً، وكان مكمناً لا يقتحم ولا يدانى، ينفذ إليه فوق هاوية متحدرة غائرة الأعماق، تشقها قنطرة من الصخر المعشوشب، وفي ذلك المكان الموحش الجليل قدر لجوسلان أن يقضي بقية عيشه، منقطعاً عن العالم مقصياً. . .

العصر الثالث

جوسلان ولورانس في الجبل

. . . لئن كان مشهد المكان رائعاً جليلاً يأخذ على اللب نواحيه، ولئن كان قلب جوسلان مفعماً بسكون المؤمن وتقواه، إلا أن وحشة المعتصم لم تلبث أن نزعت من فؤاده مراحه وبهجته، وأنه لفي ذات يوم خارج الكهف، إذ لمح عن كثب منه سجينين، رجلاً وفتى، يعدوان وفي أثرهما جنديان، متدانين جميعاً إلى الهاوية يطلبون طريقاً ومخلصاً، فصرخ جوسلان، وقد ثار في روحه إحساس طبيعي غريب، صرخة عالية، وأشار يدل السيجينين المطارَدين على القنطرة الصخرية، فعمدا إليها فاقتحماها مخاطرين مجازفين، والجنديان في آثارهما يعدوان، وإذا ذاك ضج في الفضاء من الناحيتين دوي الرصاص، فنهادي الجنديان مرتطمين في الهاوية، وأما أكبر الطريدين فأصيب بجرح بالغ شديد فلم يكد يحمل إلى الكهف حتى جاد بأنفاسه بين ذراعي جوسلان، بعد أن أوصاه الخير بفتاه.

وكان الغلام يدعى لورنس، في الربيع السادس عشر، وكان وحيداً في العالم، لا نصير له بعد أبيه ولا كفيل، فلم يلبث جوسلان أن فتح لرفيقه الصغير قلبه، وأحله منه محل العطف والحب والحنان، وكذلك اقتسما وحشة العزلة في الجبل، فأضحت عند جوسلان حلوة