للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأشواكها، وما مَد ولوى من دوالي الكروم، وعواسج اللبلاب، فوق جوانب المغارة وجدرانها، وما أمسك من العصافير بمخادعتها بالحبوب ومداعبتها، والظباء الجائعة يلقطها الحب بيده ويؤكلها، لأن كل شركائنا في عزلتنا، ظباء الجبل وأيلها، وعصافير الغابة وأطيارها، أما من حب له، وأما من رضي واعتياد، تتسابق عند رؤيته، وتجتمع لمطلعه، وتطير على صوته ومشيئته. .

وكنا نأكل ما أصبناه في نهارنا، تحلو لنا الألبان وتوافه الطعام وتطيب، ونلتهم بعدها غرائب الفاكهة، ونوادر الثمر، وحينا نشرب ماءها، ونؤثر عليها عصيرها، وتختزن للفصل المحتضر ما تجفف الشمس ويحفظ الزمن، وينوه أحدنا بفكرة أخيه ويصفق لمبتكره، ويطفر لأملوحته، ونقتل السماء المتطاول في النادرة أثر النادرة والطريفة تتلوها الطريفة، والضحكة الحلوة في أعقاب الضحكة، وحينا نشهد القمر في صميم الليل بازغاً مستهلاً، ساطعاً على صفحة البحيرة منبسطاً، فنسجد فوق الصخر إلا هم خاشعين ضارعين، نستقبل مطلع ذلك النور، ومتألق ذلك الضياء وقد أمال لورانس جبينه المؤمن الطاهر فوق الضريح متفجرة عينه بالعبرة المهراقة، ندية وجنته بالدمعة المسفوحة، نشكر الله اليوم الذي أعطانا، ونحمد له الليلة التي وهبنا، ونسأله الشمس تطلع علينا بالغد الهنيء، والأيام الحلوة الراغدة، ونرسل ضراعاتنا ودعواتنا للذين على الأرض، مبتهلين للمتوسدين بطونها ولورانس يجاهد الدمع ويغالبه، متهدج الصوت في حزن، ناشجاً في شجن، يرسل من عينه ما بقي من عبرات الابن لذكرى الوالد، ويروي يديه المشتبكتين فوق صدره من شؤونه ودموعه. . . . . .

كذلك نختم يومنا، نمضي في سلام لنهجع في رفق، ملتحفين كثيف اللحاء متوسدين غليظ أوراق الشجر، حتى يصدح صوت الذي يصحو قبل رفيقه مع نشائد القنبرة، ويمتزج بأغاني البلبل، فيطرب أذن صاحبه، ويوقظه من هجعته.

هذا ولورانس ينمو ويفرع، ويزداد في كل يوم روعة وجمالاً، وفتنة ونضرة شباب، وتشتد بينهما أواصر الود والحب والعطف والإعزاز.

العصر الرابع

الشتاء في الجبل