الفيلسوف الساكن المعتزل، وإذ ذاك قالت في نفسها. . . هذا أنا حاربت فرانسة البديعة، فرانسة الفلسفة والشعر والقانون والمودة والمجد والزهو والحمية، فرانسة الجمال والرقة والحرية وحقوق الإنسان، فرانسة لويس الرابع عشر وريشيليو وروسو وفولتير وميرابو ودانتون ومارات وروبسبير ونابليون وموسيه. . وهذا أنا انتصرت، وربحت الموقعة. . إذن فلأغزون الأرض وأملكن عين الشمس. . أيها الناس. كونوا ألماناً. كونوا ألماناً. . . تعالوا يا ألمان نطلب السيادة على الأرض. . وأما السقوط - عند ذلك بدأ العالم الإنساني يكره ألمانيا وينفر منها وكان يحبها من قبل ويجلها، ومنذ ذلك اليوم راحت ألمانيا تحول كل قوتها إلى خدمة نفسها ومصلحتها، وكل فلاسفتها ومفكريها وعلمائها ومخترعيها أصبحوا منذ ذلك اليوم يحملون فوق صدورهم ماركة واحدة وهي صنع في ألمانيا ولا جل ألمانيا ولم نعد نحن العالم الإنساني نسمع من ألمانيا التي كانت مهد الفلسفة الإنسانية الجميلة إلا صوت تريتشكي الصخاب الأصم يصرخ فينا. . أيها العالم الإنساني. . نحن الذين هذبناك ورفعناك وربيناك. . نحن أنبياء هذا الزمان. . . نحن العنصر المختار من الله. والشعب المجتبى. أن كلتورنا هو أسمى آداب العالم وأرفعها. . السيادة على العالم أو السقوط ولم نعد نرى غير القائد المتفلسف فون برناردي يعد ويحسب، ويضع الخطط لحرب العالم وغزاته وامتلاكه، بعد أن كنا نسمع نيتشه الإنساني السبرماني المهذب، وكَنْت الفيلسوف النظري الوديع، وشوبنهوَر السوداوي الحزين، وهيجل الخيال الرقيق، وجوت الشاعر الجزل المستفيض، وعند ذلك انقبضت صدورنا عن الألمان، ونفرنا من ألمانيا، لأنها جاءت تمن علينا بمدنيتها وتؤذي إحساسنا بتعداد صنائعها علينا وفضائلها، لأنها تريد أن تقتل حرية العالم. . تريد أن تبتلعه، وتأكله كما يأكل القط الفأرة.
إن الألماني رجل عصبي قوي حاد المزاج والانكليزي رجل هادئ الأعصاب متين الخلق وصلب الروح، وما أظن الألماني عند المدفع إلا صاخباً لاعناً شاتماً، وهو يحرك إدارة المدفع ولولبه، ولكن الانجليزي يدير المدفع ولفافته في فمه وهو في أتم هدوءه، حتى لقد وصف القائد الانكليزي بأنه ليقف أمام فوهة المدفع العظيم كما يقف عند باب حجرة الحسناء الناعمة.
وهذه الأعراض الأخلاقية تتجلى في آداب الأمتين ووجوه تفكيرهما ومبادئهما، فإن الآداب