للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الألمانية تشبه نوعاً من الشجار الحار المضطرم، كل ما فيها ينم عن نفس جياشة متوثبة متجهمة، وكل آدابها في هذا العصر التسليحي الأخير يتبع فكرة واحدة. . . فكرة القوة والشدة. . . فكرة ترتشكي المتلخصة في كلمة كونوا حكوميين ونصيحة نيتشه كونوا قساة يا صحابتي.

وهذه الحدة المزاجية تبدو في حب الشعب الألماني للكلمات المنتفخة الفخمة الغليظة وكل طفل في المدرسة لابد من أن يحفظ كراسة مطولة منها، يحفظ عن ليست وبسمارك ومكيافللي وكلوسويتز ومولتكي وترتشكي والإمبراطور، وكل من يزيد في مجموعة هذه الكلمات الكبيرة يغدق عليه المجد والاحترام والشرف والتبجيل، كما أعطى الشاعر ليساور وسام الصليب الحديدي من أجل قصيدة نظمها هي قصيدة الحقد.

وهذا الضرب من الآداب في نظر الفلسفة الحرية الصحيحة ليس من الآداب في شيء. . . هو نظام عسكري متين أكثر منه أدباً وشعراً وتصويراً ونقشاً وموسيقى. . هو خطة إسبارطية خشنة. يختفي فيها الفرد في جوف المجموع، وينزوي الفكر الإنساني عند أقدام الحكومة والإمبراطور، ولكن الألمان أنفسهم لا ينكرون هذه الحقيقة ولا يجحدون، لأنهم يعتقدون أن الفكر الجنديّ المنظم هو خلاصة التاريخ الألماني، إذ كانوا يعيشون على الطاعة والنظام منذ أبعد حدود الماضي وعهوده، هم لا يعرفون إلا أن الطاعة منهم وأن الأمر والنظام من الإمبراطور، وهذا الأسلوب التفكيري، وإن كان قد خلق الوطنية الألمانية، لا تقره الإنسانية ولا تمتدحه، ولا تعترف به غريزة الإنسان، لأنها تعيش على الحرية الشخصية وتغتذي من حرية الرأي والكتابة والتفكير، وتسخير كل قوى التفكير والعلم والآداب والحضارة لغاية أهلية واحدة ليست من مطالب مدنية الأرض، لأن الأرض لا تريد أن تحكم بأمة واحدة، أو تساد بعقل واحد، أو يسيطر عليها سيف واحد، والفكر الذي يسخر نفسه لخدمة فكرية جنسية مستقلة غير عامة، لا يسعنا إلا أن ننحني له احتراماً وإعجاباً. ولكنا لا نكتب اسمه في سجل مصلحي الأرض، ولا نضعه في قائمة الإنسانيين الناهضين بحضارة الدنيا، والشعب الذي يطمع في أن يسود العالم ويقوده، هو شعب حيوي وثاب مطماع، ولكنه غير خليق منا بالحب والاحترام، لأنه يريد أن يقتل في الإنسانية فكرة الحمية للجنس وروح العصبية للعنصر، والحب الغريزي للوطن.