وعلى نقيض آداب الألمان تعيش آداب الانكليز، فإن كل انكليزي يأبى إلا أن يكون عالماً مستقلاً من الأدب والتفكير، ودولة مترامية من الرأي المطلق الحر، وليس للانكليز شعار واحد أو فكرة واحدة يتبعونها ويسخرون قواهم لها، بل إنك لتلتقي عندهم بضروب من الشعائر المتباينة والأفكار المتضاربة المتعارضة، فإن للارستقراطية شعاراً ومبادئ تختلف عن شعار البحرية ومبادئها وهذه تختلف عن الجندية، والجندية تختلف عن التجار. وشعار التجار ومبادئهم لا تشبه شعار الدينيين ومبادئهم. والدينيون لا يتبعون في ذلك أصحاب الألعاب الرياضية، حتى لقد بالغوا في هذا الأسلوب التفكيري الحر المستقل فأصبح شعار لندن ووجهة تفكيرها غير أدنبرج، وأدنبرج تباين منشستر، ومنشستر لا تحكي بلفاست وهلم جراً، بل إن للشرطة من ذلك غير ما لموظفي الحربية والأشغال والمستعمرات، وليست هناك حكومة حقيقية - بالمعنى التام الذي يفهم من هذا اللفظ - يحس الانكليزي بها أو يشعر بوجودها، اللهم إلا في دائرة القضاء والقانون وسوى المحاكم، والتاج في كل مظهره وقوته صورى لا سيطرة له على الفرد ولا أمر ولا نهي. والمدنيون يرأسون الجيش ويتقلدون المناصب العسكرية والوظائف البحرية كالعسكريين، ولو سألت الانكليزي العادي أن يعرف لك انجلترا لقال لك في الحال هي الفوت بول لأن وطنية الانكليزي أرضية صامتة تستمد قوتها من الغريزة والإحساس الداخلي العميق، ومن ثم لا تجد لانجلترا شعاراً أهلياً ولا وجهة تفكير أهلية واحدة عامة، وليست لها فلسفة حياة خاصة بها، والانكليز يفخرون بذلك ويعتزون، لأن وطنيتهم وعصبيتهم الجنسية مستأصلتان في أعماق قلوبهم، لا يتعلمها إنسان منهم ولا يلقنها معلم ولا يستحث عليها كاتب أو خطيب. اه.
منقولة عن كاتب انكليزي منصف كبير، بعد أن حذف منا وزيادة وتصرف كثير.