نفحتين من خيالك ومن الفضاء وإلى قدرين من حزنك ومن الأبد. ومن ثم فلا عجب يا بني إن كان مركز الثقل فيها على وهمين: على محورها وعلى. . . ظهرك.
لقد أسرفت على نفسك الضعيفة وجعلت هذه الحصاة تحت مطرقة الزمن فما تزال رخواً منبعثاً مسترسلاً في اندفاق ولين، كأنك ترى رجل من العجين. وكم تقول لي (فلانن) وجاهه العريض، ودهره المريض، وانظر إلى (فلان) كيف جعله الكبر يذكر منا وينسى، وكيف أصبح من الغني وأمسى، (وفلان) كيف تمر من فُرَج أصابعه سفن الآمال، في تيار المال، كأن يده قنطرة على نهر الأقدار، أو جسر تعبره حظوظ السماء إلى أهل هذه الدار، أو (فلان) قبحه الله كيف سار شيطانه في إنسانه، وطول عمره في لسانه، وكثرة ماله في قلة إحسانه، وأخزاه اله فما برّ ولا نفع، بل تفرّق بالحرص على ما جمع، وطمع في كل شيء حتى في الطمع، (وفلان) الذي جمع وعدّد، وخلقه الله واحداً وهو في الرذائل يتعدد، وقد انتفخ كأنه شدق إسرافيل، وامتد كأنه يد عزرائيل، واستلقى كأنه فرعون على النيل، (وفلان) وما أدراك ما فلان: جبل شامخ والناس في سفحه رمال، ومجد باذخ ولا مجد لمن ليس له مال، وهو في أهل الغنى الألف والباء، وإن قيل في غيره (ابن نعمة) فهو في أهل النعمة أو الآباء، على رأس كأنه من الرجل ركن الكعبة الذي يتوجه عباد الغني إليه، وقامة كأنها لجاه صاحبها قطعة من المحور الذي تدور هذه الأرض عليه، وهناك أنف أما في السماء فله منزله، وأما في الأرض فعطسته زلزلة، ينفض الناس من رهبته نفضاً، ويفرش الوجوه من هيبته أرضاً، وكأنه في تلك الكبرياء ميزان معلق يرفع من ناحية ويخفض من ناحية، بل كأنه في ذلك الوجه القفر جحر للنحس تختبئ فيه الداهية.
قال الشيخ علي: وما أنت يا بني وهذه (الفلانات) وأمثالها؟ إن هؤلاء الناس بعض أعمال الله في أرضه فهو يخلقهم وينشئهم ويديرهم لتعلق طائفة من الأقدار بنتائج أعمالهم طرداً وعكساً فما أشبههم بدابة الطاحون تلزم دائرتها ولا تفتأ تدور إلى غير انحراف ثم هي لعلها تسمع الجعجعة تحسبها نشيد الاحتفال بها.
فهو قوم مسخرون وقد يسرهم الله لما خلقوا له فضربهم بالحرص والطمع ضربة جبار ولو نالت السماوات والأرض والجبال لأشفقن منها، وجاءهم الحرص بهذا المال أما الطمع فجاءهم بماذا جاءهم بماذا؟ يا بني؟ لو قلت بصدأ القلوب وهرم النفس ودناءة الطبع، لو