للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قلت بكل ما في الحشرات من القذر وبكل ما في السباع من الضراوة وبكل ما في الدبابات من السموم لكنت عسى أن أقارب الوصف ولكن المعنى الذي يتلجلج في نفسي أكبر من ذلك كله. ولكني أقول لك يا هذا إن ثلاثة من المتشابهات يفسر بعضها بعضاً الحرص مع الطمع، ثم المال ورذائله، ثم ما في المعدة وما في الأمعاء. . .

أنحسب أن هذا العالم يحفل برجل من الأغنياء قد أجحف به الدهر وطحنته النوائب بأرحائها. وتركته الأقدار أسود الحظ لا بيضاء ولا صفراء؟ فلم لا يعدون الغني شيئاً دون المال ويحسبونه كل شيء مع المال؟ لعل الحقيقة أيضاً ذات وجهين في الناس.

المال. المال وحده لا غيره فنحن نحتاج إلى الغني صاحب المال كما نحتاج إلى بائع الملح. وما أشبهنا في إطرائه وفي الزلفي إليه بأطفال القرية إذ يتزلفون إلى بائع الحلواء التي تلف على العصا وإذ هو واقف بينهم بعصاه وحلوائه كأنه الهبل الأعلى. وهو من تعلم دس الثوب ترب اليد قذر التفصيل والجملة يصلح أن يكتب على وجهه متحب المكروبات المصري ولو رآه طبيب لجعل عصا الحلواء على رأسه تفاريق، ولكن أين لا أين الطبيب في هذا الاجتماع؟ كل أطباء الاجتماع ألسنة وأقلام ومحابر؟ أما اليد التي تزيل المنكر أو تغيره فلا أراها تمتد إلا من جانب الأفق ولا تعمل إلا بعون من الله وملائكته وقد انقضى عصر الأنبياء.

قال الشيخ علي: فإن لم يكن الغني إنساناً من الناس يواسيهم ويسعدهم ويتخذ من المال سبيلاً إلى أفئدتهم بالإحسان والمساعفة، ويأخذ لنفسه بقدر مالها ويعطي من نفسه بقدر ما عليها، وإن لم يكن وجهه عند قدمي الفقير وعند رأس المريض ولم يكن ذهبه عند دموع البائسين وعند أنفاس المحزونين ولم يكن اسمه في دعوات المحتاجين وفي ألسنة الشاكرين فقد أصبح عندي كأنه لا شخص له، وإن كان اسمه (فلان باشا) مثلاً فلا فرق بينه وبين صندوق من صناديق الحديد يسميه صانعه استهزاء (فلان باشا). . . .

فالمال آلة من آلات القتل لأنه يميت أكثر من أصحابه موتاً شراً من الموت - إلا من عصم الله - موتاً يجعل أسماءهم قائمة على ألواح من العظام ويرسلها كل يوم إلى السماء في لعنات لا عداد لها ثم يثبتها في التاريخ أخيراً لا بأعيانها ولكن بعددها أو كما تثبت الحكومة في كل سنة عدد المواشي التي نفقت بالطاعون. . . فهذا الشخص الميت وهو في