الأحياء لا يبلغ نفسه على الحقيقة أكثر من مقدار حجمه من. من. . من جيفة حمار. . .
يا بني! ربما كان الرجل نبات نعمة الله لأنه سيكون حصاد نقمته فهذه منزلة من البؤس والخذلان يستعاذ الله منها. وكم رأينا من أناس تخصب أبدانهم حتى ليضيق بهم الجلد كدنةً وسمناً ويكاد أحدهم ينشق فرحاً ونشاطاً ثم لا يكون هذا الخصب الذي استمتعوا به شطراً من العمر إلا سبباً في أمراض مهلكة تستوفي الشطر الآخر فذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون.
وإن خطأ كبيراً أن تحكم لفلان من (فلاناتك) بمتاع الدنيا فإنك لا تدري أشر أريد به أم الخير وكيف تحكم على غناه بفقرك وعلى آماله بيأسك وعلى شخصه بظلك وعلى نهاره بليلك وعلى عمره كله وهو بعد حي لا تدري ما عسى أن يكون له فيما بقي؟ دعه حتى يستنفد أيامه المكتوبة ويستوفي أنفاسه المقدرة فلعل مصيبته قادمة في الغيب وكان غناه من مقدماتها وعلى قوة المقدمة تقاس قوة النتيجة. فإذا مات الغني ولم تعرف في مجموع عمره هما ولا غما يعدل بؤس الفقر فكفى حينئذ بالموت، وإنما الحياة مدة ستنقضي فسواء انقطع الخيط من أوله أو من وسطه أو من آخره فقد انقطع.
تقول لهم أن متاع الحياة ولو أنصفت لقلت أن لهم بؤسها الممتع. .! فإنهم يجمعون المال من طرق لا تؤتيه إلا نكداً ثم يرسلونه في طرق أخرى ليجمعوه أيضاً ثم يجمعونه ليرسلوه ثم يرسلونه ليجمعوه وهلم كما تدور دابة الطاحونة. وهب أنهم لا يألمون فإن يد الله قد غمزتهم من مكان قريب غمزة مؤلمة، وما أحسب الضجر من اللذات قد خلق إلا للأغنياء وحدهم وناهيك من بلاء يغمر النفس بالنعم صنوفاً وألواناً حتى يتنكر لها معنى النعمة فتراها وقد ثابر عليها الضجر متكرهة ولكن لا تريد الكراهة ومتسخطة ولا ترغب في السخط ومتألمة ولا تعرف مم ألمها ولا تبرح تتلمس نعمة لم يخلقها الله لتحدث منها لذة لم يعرفها الناس.
ولولا هذا البلاء وأنه ما وصفت لك لما أصبت على الأرض غنياً كهؤلاء الوارثين تضرب به كل لذة وجه أختها فتسلمه الواحدة إلى الأخرى ويجذبنه بكل حروف الجر: من الكأس وإلى القمار وفي الإسراف وعلى الفسق وللمنافسة وهكذا حتى تسلمه اللذة الأخيرة إلى الفقر.