للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأنف ساحرة العينين قد انسدل فوق جسمها الخصيب ثوب فضفاض ثم لفتها سحابة سماوية اللون. كنت كلما تركتها خيفة أنتهاء الوقت وطمعاً في أن أرى ما سواها رجعت إليها غير مستطيع أن أفارقها الفراق الأخير وحدقت منها بتلك الصورة الملائكية الناطقة.

كذلك هنا في باريس في متحف الكسميور تمثال للعذراء على أمتار من شمال الداخل. تمثال مصقول محكم بديع لا تلبث أن تراه حتى يسرق من وقتك ما لا تأسف على ضياعه.

هذا السحر الذي تحويه الأشياء الجميلة. هاته القوة التي تجذبنا إليها وتأسرنا بسلطانها وتضطرنا للخضوع لها مسرورين بخضوعنا راضين بأسرنا. هذا السر الكامن تجتليه حواسنا وتجد فيه من الابداع ما يبعث إلينا النشوة أو الطرب - هذا كله هو روح الشيء وحياته.

وما من شيء مما يحيط بنا إلا فيه جمال في أية ساعة من النهار تنظر السماء تجد لها العظمة والجلال في صفوها أو الحزن المهيب في قتومها أو الزينة البديعة ساعات الشفق حين تغيب الشمس وراء الآفاق وتبعث إلى القبة الهائلة بألوانها ثم حين يتبدد ذلك قليلاً قليلاً ويأتي على جميعه آية الليل ويدخل الوجود كله تحت ستاره العظيم.

وإن أنت اجتليتها بالليل وكنت في أيام القمر حين يخطر الكوكب العاشق وسط السماء ويبعث للعالمين بنظراته الهائمة ويرنو لمحبيه بعين رائقة سائغة ثم يجري من تحته غمام يجعله أشد نحولاً وأكثر عشقاً إن أنت اجتليتها في هذه الساعات الصامتة حين تسكت الخليقة ويتهادى النعيم وسط الجو الساكن ويترنح البدر ثملاً في الفضاء الهائل وجدت بها من الجمال مالا يحويه إلا الخيال.

والبدر وحده ما أحلاه وما أجمله. ما رأيته إلا أخذني حسنه وبقيت محدقاً به الزمان الطويل. وإني لأذكر أياماً كنت فيها على شاطئ البحر وأرى مشرق القمر من بين موجاته يبدو محمراً كأنما خرج رغماً من بعد جدال ثم يسري عنه ويراجعه هدوءه ويبسم من جديد ويرسل على الكون كله لجة النور فتغرق فيها الموجودات ويلمع الضوء على صحيفة الماء وتتخطفه الأمواج متلاعبة به ثم قاذفة نفسها وإياه إلى الشاطئ.

كذلك أذكر أياماً أخرى كان البدر لي فيها نعم الصديق وأنا بين البحيرات والأجبال. أذكر مرة كنت مسافراً على القارب من جنيف إلى مونتريه وقد غابت الشمس ونحن في