ليس الإنسان وحده الذي يقدر الأشياء الجميلة ويحبها بل أن كثيراً من الحيوان له من الولوع بذلك ما يفوق التصور. وإذا كنا لا نقيم وزناً لما يروى بعض المؤرخين من إنصات سباع الفلاة لمغن متقن فإن حب بعض الدواب كالثعابين لسماع الموسيقى معروف حتى عند العامة كما أن من الحيوانات ما يبلغ منه الطرب كالخيل التي تسمع الموسيقى فتهتز كل أجزاءها وترقص معها أو كعيس البيداء تنسى نفسها وتنسى التعب إن تسمع الحادي يوقع غناءه توقيعاً حسناً. كما شوهد كذلك أن بعض الطير تعني عناية خاصة بتنظيم عشها وتجميله فتضع حولها أوراقاً مخصوصة لا لغاية أخرى سوى أن ترى العش جميلاً. . . بل أنه ليخيل إلينا أن من الجمادات ما يحس الجمال وإذا كانت الأشياء لا تقدر على إبداء ذلك بحركة إذ لا حركة لها فإن ما أجده من بعضها من الرقة وما يثيره عندي أغلب الاحايين من الاحساسات الغريبة. يجعلني أقدر لها حياة خاصة تستطيع معها أن تتأثر بالمحيطات بها.
ما هذا الجمال الذي يحسه الإنسان والحيوان والأشياء، أي شيء هو، وهل في الإمكان تعريفه.
ليس من غرضي هنا أن أبحث عن المعنى الذي نجده في القاموس لكلمة الجمال فذلك معروف كما يذكره بعضهم ولكنما أريد أن أصل إلى شيء غير هذا أريد أن أصل لأقول أن الجمال هو السحر الذي تحويه الأشياء فتجذب به إليها سليم الذوق وتعمل في حواسه ما يتركه تحت أثرها مملوأ بالسرور أو الأعجاب أو بتلك اللذة المخدرة التي نتيه معها في عوالم الأحلام الواسعة ناسين أنفسنا والمحيطات بنا. فبمقدار الأثر الذي يحدثه الشيء في نفوسنا يكون مبلغه من الجمال.
إذا مررت أمام صورة متقنة جذبك إليها جمالها فكم من الزمن تبقى محدقاً بها رائحاً في إعجابك إلى قصى حدوده. زمن لا يمكنك أن تقدره لأنك في تلك الساعة تنسي الزمان وتقديره وتنسي كل شيء إلا الصورة الجميلة التي أمامك. بل أنك لتنسى نفسك حتى ليهون عليك أن تعمل مالاً تعمله وأنت مستقل مالك كل حواسك
كنت العام الماضي في أفنيون وزرت متحفها فاستوقفتني فيها صورة كلما ذكرتها تأوبني لها من الخضوع مالا أفهم. . . تلك صورة عذراء أمامها مستتيب. فتاة رقيقة القوام حادة