العواطف. فيه روح شفافة بديعة تجمع إليها من المعاني مالا تجمعه الأشياء الأخرى لذلك لا نكون مغالين إذا قلنا أنها ملكة الجمال.
هذا المركز يعترف لها به الناس جميعاً. وأنك إن شئت أن تمثل أرقى المعاني وأرقها في صورة محسة ملموسة. إذا خطر ببالك أن تجمع في جسم من الأجسام الصفات الدقيقة المحبوبة لنفوسنا فأول ما يخطر بذهنك أن تمثلها فيه أن تجعل لها المرأة مثالاً.
وباعتبارها ملكة الجمال فأنها تحل من نفوس جميع الناس أعماقها ومن قلوبهم حباتها. ومهما يكن ولوع الإنسان بالطبيعة وما عليها عظيماً. مهما يكن محباً للسماء ونجومها والأرض وأبحارها وجبالها وأشجارها ورياضها وأزهارها فإنه يحني رأسه اعترافاً بأنه إنما على رأس ذلك الجمال الذي يعبد توجد المرأة وقل إن تجد لهذه القاعدة استثناء.
كانت المرأة من أجل هذا موضع الحب الذي يملك الحواس والنفس ويستولى على كل وجودنا ويسهل علينا معه أن نندفع لعمل كل المستحيلات والوصول إلى أبعد الغايات وبلوغ كل شيء ولو كان الموت الزؤام.
هذا الحب المخصوص الذي ننسى معه أنانيتنا وحبنا لذاتنا من أجل محبوب لنا له من الأثر في الحياة أكبر ما يمكن تصوره. كما أن الولوع بالموجودات الحية والجامدة يشكل وجودنا بشكل مخصوص يكون له على أعمالنا من الأثر ما يجعلها تختلف باختلاف مقداره. وهذا الأثر الذي للحب والجمال يتعدانا إلى ما حولنا ويؤثر في المجموع لتأثيره في أفراده حتى ليكون حتماً علينا أن ننظر فيه بتدقيق ونفتش عما عساه يأتي به في حياة كل فرد وفي حياة الأمة.
ذلك هو السبب الذي دفعني إلى البحث في موضوع كهذا يحسب خطأ عندنا ذا أهمية ثانوية وإن هو إلا صاحب الدرجة الأولى في الحياة النفسية مهما رجعنا في التاريخ إلى الوراء ومهما فتشنا في العصور القديمة فإن محالاً أن نجد عصراً كان أصم أمام الجمال بل أنه ليخيل إلي أن أول ما فتح الإنسان عينيه للوجود: أول ما جاء آدم إلى الحياة ورمي بنظرة على ما حوله لا بد أن يكون قد دخل إلى نفسه معنى الجمال فأخذ بصره أشياء أكثر من أشياء أخرى وبلغ بعضها من الأثر فيه إن أوصلته إلى الإعجاب بها وإدامة النظر إليها والشعور بالغبطة لمرآها: أي انه قد خالطه من أول وجوده الإحساس بالجمال.