للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أهتف معه بالضحك. وانطلق من التهليل والاستخفاف والجذل، ولكن عليك أن تحاول جهدك أن تجعل ضحكك يبدو صادقاً غير متكلف، وإذا رأيت منهم قوماً يريدون أن يقابلوا ضحكك بمثله، فليكن ضحكك أطول من ضحكاتهم وأشد صيحة وارتفاعاً، فإنك لا تنوي أن ترى أشجع الحضور وأكبرهم إباء وأربطهم جأشاً. والذين كانوا من قبل يتهاتفون بك ويتضاحكون منك قد عادوا ينهزمون أمامك ويتراجعون إزاء قوتك، ويميلون إلى مهادنتك ومصالحتك، وعقد أولوية السلام معك، وتقديم آداب الصداقة والود إليك، وكذلك فلتعلم أن الضحك قوة كبرى لا يستطيع أشجع الناس أن يناهضها أو يستخف بها، فالذي يريد أن يكون سيد الأرض، فليضحك من العالم بأسره.

إن الدنيا إزاء العظماء والأبطال أشبه بالمرأة، فهي لا تعجب بهم فقط، بل تحبهم كذلك، وتتعشقهم، إذ يفتنها منهم قوة خلقهم وشدة بأسهم، والدنيا المرأة، لا يكون حبها للعظماء، إلا على قدر ما يظهرون نحوها من الإحتقار والقسوة، والرعب الذي يدخلونه عليها.

لقد كانت فرنسا تحب نابليون أشد الحب، وكان نابليون معبود القوم، ومع ذلك كان يسميهم طعاماً للمدافع، وغذاء للبنادق.

كتاب المساكين

هو الكتاب الفلسفي القيم الذي وضعه الأديب الكبير مصطفى صادق الرافعي وأشرنا إليه في بعض أعداد البيان منذ أشهر ونقلنا منه فصلين تركا الأدباء وأهل الرأي يستبطؤون دورة الفلك من شوقهم إلى هذا الكتاب. وقد كان أديبنا الرافعي عدل عن طبعه بعد أن صحت نيته على الطبع إذ وجد سوق الورق كلها تسوق بنفسها في هذه الأزمة ثم كان مع العسر يسر فأصبح هذا الكتاب النفيس وشيكاً أن يظهر. ونحن نتحف قراءنا الأفاضل بهذه القطعة الرائعة من مقدمة الكتاب وقد اختص الرافعي بنشرها البيان.

وأنت فربما رأيت الرجل من الناس وبه من جمال الدنيا مسحة الدينار، وعليه من نضرة هذه الحياة ألوان الجنة والنار، وما تشك في أنه واسع البسطة عريض النعمة طيب المكسبة وهو على ذلك رقعة خلقة في أذيال الفقر يجررها على أقذار الحياة وأدناسها ولو نطق له الغني لقال دعني فما كل ذي متربة فقير ولا كل ذي مثراة غني والفضائل قائمة في الدنيا بالصغار والفقراء ولكن من نكد الدنيا أن عنوانها هم الكبراء وحدهم، على أن أكثر هؤلاء