إقناعنا بأن الذين نفقدهم لا يزالون أحياء فرحين سعداء، وأنهم ينعمون بالبهجة إذا نحن أردناها لهم ولم نقلقهم، وإنهم يحزنون لأحزاننا وإن كانوا يرون حياتهم الجديدة حافلة بالإبتهاج والغبطة والنعيم.
ومن ثم تعلم أن الرسائل الأولى التي نتلقاها من الموتى، هي أكثر ما تكون رسائل عواطف، ثم يأتي بعدها الرسائل الحاوية لطائفة من الذكريات التي ترضي الذين يريدونها من أقاربهم الأحياء، أو تدور حول إزالة شك أو سوء فهم أو ريبة تتعلق بحوادث خطيرة وقعت للأحياء من ذوي قرباهم، وقد لاحظنا أن المراسلين في العالم الآخر يجتهدون في أن يرسلوا العزاء والراحة لأهلهم من هذه الناحية.
ونحن لا نعرف كيف يستطيعون علم ذلك، ويلوح لنا لغزاً غامضاً، ولكن هذه الأشياء، لا تزال تقع لكثيرين في هذه الحياة، إذ يحدث لهم أن يهتدوا إلى أسرار غريبة بطريقة غريبة الهامية.
وقد أصبحت هذه الرسائل ضرورية في هذا الوقت وهذا الزمن الحافل بالأحزان والآلام، وهذه الرسائل تأتي تباعاً من كل سبيل، فالشبان الذين قتلوا في هذه الحرب، وهم في غضارة الشباب، وطراءة السن، لا يستطيعون أن يستريحوا في العالم الآخر وهم يحسون حبائبهم في حزن شديد لفقدتهم، وإنهم في بادئ الأمر لا يرتابون في أماكن مخابرة الأحياء الذين خلفوهم ورائهم، فإذا حدث أنهم علموا أن السبيل ممكنة لهم، فلا يزالون يجتهدون كل الجهد في إثارة الرغبة الشديدة في أرواح الأحياء إلى مخابرة موتاهم.