سريع الغضب سيء الخلق حانقاً على الكون والطبيعة ناقماً على المجتمع ونظاماته مغتاظاً منهما متأذياً بهما لعدم قدرته على التأليف بينهما وبين نفسه. فهو في ثوران مستمر على جميع النظامات والكائنات يحاول هدمها أو على الأقل يتمنى هدمها ويحلم به. ولكن هذه الانقلابات التي يتشوف إليها ويحرص عليها بل التي ربما أفلح في إحداثها بالفعل هي انقلابات عقيمة مجدبة من الثمرة من حيث الرقي والتقدم. فهو باعتباره مصلحاً أشبه شيء بالطوفان أو الإعصار باعتبارهما أداتين من أدوات الكنس. إذ الطوفان والإعصار لا ينكسان الطريق ولكن ينسفانه. فكذلك هذا التأثر على النظامات الاجتماعية لا ينظف المجتمع من آفاته وينقيه من عاهاته ولكنه يهد ويهدم بطريقة عمياء هوجاء مجنونة. وهذا هو الفرق بينه وبين المصلح الحكيم الخبير الذي شأنه الإصلاح يقود الإنسانية المتألمة المتقهقرة حينما يرسله القدر إليها من الظلمات إلى النور بسبل خفية صعبة وعرة. نعم إن المصلح الحكيم قد ينسف بمنتهى العنف والقسوة تلك الرسوم القديمة البالية الخربة التي قد أصبحت عقبات في سبيل التقدم - ينسفها ليقيم النظامات النافعة على أطلالها. أما المجنون الأناني فإنه يطعن على كل ما يراه سواء أكان نافعاً أم غير نافع. ثم إذا هدم وخرب لم يفكر في تنظيف الأرض من أنقاض ما هدم. بل كل لذته في أن يرى كثبان الأنقاض تعلوها الأعشاب الفاسدة نابتة حيث كانت الجدران والسقوف التي هدمها.
إن هناك لبوناً شاسعاً بين المصلح العاقل وبين الثائر المصاب بجنون الأنانية. وذلك أن الأول يكون ذا غايات ومقاصد وليس للثاني غايات ولا مقاصد. إذ الثاني أقصر نظراً من ذلك وهو لا يفكر قط فيما يجب أن يكون عوضاً من الأشياء متى يريد إزالتها ومحوها. بل كل ما يعرف هو أنه يكره جميع الأشياء على الإطلاق ويريد إرسال صواعق غيظه على كل ما يراه حوله. ومن ثم ترى أن مثل هذا المتهوس ربما حول تيار غضبه إلى شرور خيالية وأضرار وهمية. وربما رمى إلى غرض حقير ومقصد تافه بل لا يبعد أن يشن غارته على النواميس النافعة الحكيمة فتراه تارة يوجه الطعن إلى مسألة رفع القلنسوة بالتحية فيعتصب مع أعضاء حزبه ضد ذلك وتارة يوجه نقمته إلى مسألة التطعيم الجداري الإجباري. وطوراً إلى مشروع إحصاء عدد الأهالي. وأعجب الأشياء أن مجنون الأنانية في قيامه ضد هذه المسائل يظهر من الاهتمام والتحمس ويلقي من الخطب وينشر من