للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إن هذا العفريت الإنساني هو أنا - أنا الذي أعيش الآن معكم وأكلمكم، وأخرج بعض الأحيان في الظلام لتخويفكم، وأختفي حيناً عن أنظاركم، حتى لا تروا سر التركيب الذي ركبت، والهيئة التي فيها صورت، وكثيرون منكم رأوني وشهدوا دلائل كثيرة من عفريتيتي. وبينات واضحة من إنسانيتي، ولكنهم يصرون مع ذلك على إنكاري، ويمرون مغمضي الجفون بقوتي، ويقولون إنني تزوير على الطبيعة، وأكذوبة على الحياة، وإنني رسم فقط لا حقيقة، وتسويدة لصورة بني آدم، وإنني مصور بمقياس ١ من الطبيعة

١٠٠٠

البشرية الصحيحة، إلى آخر ما يقولون من الأقاويل التي يسمع أمثالها العفاريت في الليل من أفواه العجائز عند ما يجلسن حول الموقدة مع الأصبية الصغار يلقين إليهم حواديت الغول وأبو رجل مسلوخة. . . فلا يسع العفاريت إلا أن تضحك، لأنها تعرف نفسها أكثر من العجائز.

وأنا أيها الناس أحدثكم الآن عن نفسي فأقول إنني خلقت بكل سرعة، ولم يكن هناك وقت كاف لتنظيف قالبي منعكارة الطين الذي صنعت منه، فخرجت يفوح مني - كما يقول ابن الرومي - الحمأ اللازب. وربما تراني يوماً أهب عليك بشذى الملائكة، وأنت واجدني تارةً أسموا إلى مقام سكان الدور الأعلى من الجنة، وطوراً أنحط فأكون من أسفل أضياف جهنم.

ولعل هذا التناقض هو السبب الذي جعلني عن الناس غامضاً، وتركني في الحياة أدق سراً منها.

أنا أيها الناس سيد الكفار، ومع ذلك أنا رأس المؤمنين، وأنا لم أدخل في حياتي مسجداً، ولم أهبط يوماً مصلى أو معبداً، ولكن لي صلاة وحدي، وعبادة بمفردي، وهذه الصلاة هي خلاصة الصلوات الخمس، واختصار جميع كتب الأديان. وهي ضرب من الصلاة الإختزالية التي يراعى فيها الحرص على الوقت، والسرعة في التناول. وقد ترونني يوماً متسخطاً متمرداً على الشرائع متطاولاً على سكان السموات، غير راضٍ بحظي في الدنيا. ولا مبال بالأوصاف المخيفة التي ذكرتها الأديان عن نار جهنم ووقوها، فتظنون ذلك مني كفراً، وتحسبونه مروقاً وزيغاً، ولكن ما يدريكم لعلها كما يقول الشاعر موسيه نوع آخر من أنواع العبادات، وصيغة أخرى من صيغ الصلوات، لأن تسخط المؤمن في بعض الأحيان