للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قد يكون عند الله نوعاً من غضب العاشق، وانحرافاً من انحرافات المتيم العابد، وعارضاً من حسن النية وبلاهة القلب، واذكر أنني يوماً تسخطت وتمردت، فشاءت الأقدار إلا أن أقع في المرض غداة الغد، وأخذت الحمى مني مأخذها، ورأيت طائف الموت يدنو من فراشي، فهجمت عيني الدموع، وتحدرت مني العبرات، وصحت بجميع قوتي. . . يا رب. أنا صغير. أنا أحبك كل الحب. وإنني كنت من أقبل أمزح فقط. أنا ا، بك ولكني لا أريد أن أترك دنياك الآن. أي ربي. اصفح عن عبدك الذي شاءت نزعة المجون التي خلقتها معه. إلا أن يستعملها معك أيضاً، ولعل ملائكة السموات ضحكت إذ ذاك من هذه الهزيمة السريعة التي انهزمتها، وصفح الله عن مجوني، لأنني شفيت في اليوم التالي من المرض!

وأنا أيها القراء أحياكم جميعاً، ومع ذلك أنا أشدكم قحة وجرأة، ولعل فيكم من رآني وأنا في نوبات حيائي، فعدني المثل الأعلى للحياء النسائي وود لو كان نصف هذا الحياء في زوجته أو عشيقته، ثم لم يلبث أن شهدني بعد ساعة أسلط لساناً من نسوة الزرائب، وأحد لفظاً من الحطيئة، ولكن حيائي لا يزال حياء حراً لا صنعة فيه، وقحة نقية لا تعمل فيها، وليست جرءتي وقحتي إلا لغة العفريت الذي يكمن في عواطفي، وأسلوب الشيطان الذي يمرح في ذهني، وأما حيائي فهو صفة من صفات الجزء النقي من وجداني، وهما أبداً في حرب، ودائماً في تنازع، وكثيراً ما يغلب الشيطان، لأنه يحمل علم الشر، والشر أقوى جنوداً، وأشد ساعداً، وأمتن عضلاً من الخير، لأن الخير رجل متسامح، مستضعف، يتمسك أبداً بالمبدأ القائل إذا لطمت على خدك اليمين فأدر خدك اليسار، وقد انتهز الشر هذه الفرصة فألهب خد الخير ضرباً ولطماً!

وكثيراً ما يتفق حيائي مع جزائي، فيضع كلٌ يده في يد صاحبه، ويعقدان الهدنة، ويرضيان بالسلام، وهما لا يظهران متصاحبين مختلطين إلا في رسائلي وخطاباتي، وأنا أرجو الله أن لا يصاب أحد القراء بأن يكون لي حق أو حاجة لديه. لأنه إذا نكب بهذه النكبة، رأى من مذكراتي ورسائلي ما يرى على المجلدات الضخمة، والدفاتر العريضة.

وأنا أشد الناس افتتاناً بالنساء، ومع ذلك أراني أجبن المغازلين وأخوف ما أكون من النظر إلى عيني امرأة.

ولا أعرف لماذا كلفتني شياطين الجن والإنس أن أحمل عنها جميع غرورها، وأتكبد نفقات