للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن نرضي الناس جميعاً والمحاكم الباطنية أي محاكم الضمير والوجدان مختلفة غير متماثلة. وجدير بهذه الحقيقة أن تحملنا على عدم التعويل على ضمائرنا وعدم الإعتداد بأحكامها ولكن أنى لنا ونحن لا نذعن إلى الحق بسهولة.

العدل أجمل وأرقى شعور في الإنسان. وقد ألبسنا الإله ثوباً نفيساً من هذا العدل غير أن الإله بدأ عمله بتفضيل هابيل على قابيل. وهذا هو عين الجور الظلم فإنه هو الذي خلق الإثنين بما فيهما من فضل ونقص وخير وشر. إلا أن هذا لبشري محض.

يرشدنا المنطق إلى أن المسؤولية غير موجودة وإن الأولى والأعدل محو العقاب والثواب من معجمات لغاتنا وكتب شرائعنا غير أنا نحب أفراداً ونمقت آخرين وشعورنا أعز لدينا من العقل يقول أن طول فرانس لو كنا نعقل أو نفهم لكانت النفوس البشرية لدينا كالأشكال الهندسية لدى الرياضيين فلا نبغض إنساناً لقصر عقله وخبث طويته كما لا يكره الرياضي الزاوية إذا قل انفراجها عن الزاوية القائمة أو زاد عنها ومع هذا تنطوي قلوبنا على الحب والكراهة وهذا ألد عدو للحكمة.

يحاول بعض الفلاسفة ذوي العواطف الشريفة والإحساسات الرقيقة أن يلينوا من قلوب القضاة ويحملوهم على أخذ المجرمين الرأفة والشفقة بأن يقولوا أن المجرمين غير مدانين فيما اقترفوه من الإثم والعدوان. وإنما الهيئة الإجتماعية هي المذنبة الأثيمة وهي المسؤولة عن إجرام هؤلاء المساكين وإن هؤلاء الفلاسفة لمحقون في رأيهم غير أهم لا يريدون الإستمرار فيه إلى النهاية وليسوا بالمثال الصالح ولا الأنموذج الحسن في أحكامهم لأنهم يحتقرون القضاة قساة القلوب ويسلقونهم بألسنة حداد مع أن هؤلاء القضاة لا يخرجون عن كونهم مجرمين كالمجرمين الآخرين غير مسؤولين عن أعمالهم ولقد يمكن معالجة هؤلاء الفلاسفة وإرجاعهم عن خطئهم لو لم يكن نتائج رأيهم (وهذه النتيجة طبيعية ولكنهم لا يقبلونها) اعتبار القاضي طيب القلب كالقاضي القاسي لا يفضله في شيء ولا يستحق مدحاً ولا ثناء، يريدون إلغاء العقاب ولكنهم يحتفظون بالأجر والثواب وهذا لا يمكن إزالته من النفوس إلا بإزالة الإنسانية نفسها.

وهل هذا غير منطقي! أو هل المنطق الذي أضلنا عن الحق! وهل لم يكن رائدنا الدقة! أو هل هذه الدقة وهم وخيال.