للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا ينفك الإنسان عن التغير والتبدل في كل آونة ولحظة. وما الإنسان إلا سلسلة تراكيب جثمانية مختلفة يأتي بعضها في تلو بعض ويعقب أحدها أثر لآخر ولا يمكن سرد أعمال إنسان من غير أن نلاحظ أنه في هذه اللحظة غيره في اللحظة التي سبقتها وأنه ليس هو الآن نفس الرجل الذي كان منذ هنيهة مضت. وإذن فمحال على المنطقي المدقق أن يشكر إنساناً على عمل اشترك في تركيب جثماني غير تركيبه الحالي.

نحب قائداً ونجله ونغدق عليه الألقاب والنياشين فنسميه البطل المقدام والقائد العظيم لأنه انتصر على أعدائه وأنزل بهم المحن ولا نذكر المدفع الذي حاز به الفخر ونال بواسطته النصر مع أن المدفع أقل تغيراً من القائد وأدوم على كيانه منه.

إن الأسماء التي تعطى للأفراد وتلازمهم طول الحياة من تغيير ترابط أعمال الفرد بعضها ببعض ماضيها وحاضرها ومستقبلها بحبل متين لا تنفك عقدته أبداً. ولكن من منا لم يشعر بألم عظيم وحزن عميق حينما سيق فرديند ديلاسبس العظيم إلى محكمة الجنايات بصفة منهم أثيم.

هل من كان يوماً عظيماً يبقى دائماً عظيماً! وهل من أجرم ولو مرة يصير طول الحياة مجرماً أو هل من المحال أن ينقلب اللص القديم رجلاً نزيهاً! إن هذا ينبغي أن يكون لو كانت القوانين لا ترمي إلى معاقبة المجرمين وإنما تقويم نفوسهم قدر المستطاع. إن اللص الذي يعود إلى الإجرام بعد ما اقتص منه القانون على جريمة سابقة يظهر للملأ ننقص هذا القانون وعواره. ولا يكون القضاء حسناً - قلت حسناً ولم أقل عادلاً لأنه لا وجود للعدل والظلم ولا أساس لهما من الصحة - أقول لا يكون القضاء حسناً إلا إذا كان غرضه مداواة المجرمين مما ألم بهم وأضر بجهازهم العصبي فأفسده. ولكن القضاء للأسف لا يعني بهذه المسألة ولا يعتبرها التفاته بل يعاقب المجرمين باسم العدل الذي لا وجود له ولا أثر له من الصحة وإنما هو محض خيال ووهم ويترك في نفوسهم ذكرى قد تزيد من شرهم وترصد في وجوههم باب الأمانة فيما لو حدثتهم نفسهم يوماً بالتوبة.

ولكن من منا يقبل على نفسه أن تكون شخصيته متغيرة غير ثابتة على حال وأن يكون أعجوبة غريبة لا تنفك عن التلون والتبدل.

ينسى المرء سيئاته التي تزري بشرفه ويذكر دائماً حسناته التي ترفع من قدره. ولا يحفظ