للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأن هذه الأدوات هي كذلك من أسباب بقاءه اللازمة له لما قامت في الأرض حرب أبداً، ولو أبعدنا في مطارح الفكر ونظرنا من وراء النفوس الإنسانية إلى ميادين الحروب لرأينا أن الحرب التي تقوم بين الأحياء إنما هي حروب قائمة بين مذاهب الحياة.

وكما يجتمع العلماء وأهل السياسة لتنقيح الأنظمة والقوانين تجتمع الأمم المتحاربة لتنقيح الطباع والعادات وما أعجب أن يكون القتل تنقيحاً في قانون الحياة. . . فلا تنظر من الحروب إلا هؤلاء المساكين والمتوجعين والمحزونين فذلك كله إلى نهاية ولا يبقى منه على الأرض شيء قل أو كثر، ولا أحمق ممن ينظر ساعة الهدم إلى آثار الهدم ولا يعلم أن ذلك سبب لما بعده وأنه إذا لم يهلك يوم في سبيل الغد هلك المستقبل كله.

ولكن متى تكون الحرب حقاً ومتى تكون باطلاً فهذا ما لا سبيل إلى وجه الرأي فيه وربما كان الجواب عليه سؤالاً آخر، وهو متى تعرض في حياة الناس تلك المسائل التي لا يصلحون هم أنفسهم لحلها. ومتى تكون الحركة العنيفة التي يتحول بها التاريخ الإنساني كلما وجب أن ينحرف ليتبع مجراه من الغيب؟ أليس ذلك هو السبب في أن العقل أحياناً يكون أول من ينهزم في الحرب كما نراه اليوم فيصبح الفلاسفة والعلماء والمتفننون ولاهم لهم إلا إدارة حركة الموت هجوماً ودفاعاً وترى الصلوات والأدعية تتصاعد إلى الله وفيها ريح الدم والنار كأنها قنابل صنعت من العواصف؟

وقد يقول بعضهم أن في الحرب إسرافاً اجتماعياً بما تأخذ من الموتى وما تترك من المرضى ولكن كم من الإسراف الطبيعي والأخلاق في بقاء الناس موفورين بعلومهم وفنونهم وشهواتهم ونعمهم ومصائبهم ونحوها مما يؤدي إلى انطواء هذا المجتمع الإنساني في الأدمغة والقلوب بما تبعث عليه تكاليف الحياة الإجتماعية السامية التي تحاول أن تجعل الإنسان حيواناً على شكل مخترع. .؟ فلا ترين هذه الوحشية التي تعتري الناس في حروبهم إلا سبباً في رجوعهم بعد ذلك إلى الإنسانية الخالصة التي أفسدوها بحضارتهم وضربوا عليها الحدود من مصطلحات التمدن ومن أصول المعاملة فأصبح الإنسان منهم يقضي العمر وهو يتعلم كيف يصير إنساناً. .!

هو أنا ففي خاصة نفسي أكره الحرب لأني أراها تصور بكل ألوان الهلاك والخراب فكرة العدم المبهمة على قطعة من أديم الأرض، وأمقتها لأنها تلوث الحياة بدماء الرجال ثم لا