للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مثل الألمانية والدانيماركية والسلافية وغيرها، وكثيرون من الإسكندريين يشتغلون تراجمة، واللغة الأجنبية شائعة على ألسنة الإسكندريين هي الطليانية.

ولكن جهل المسلمين فيها وبلاهتهم عاقتني عن كثير من أبحاثي وملاحظاتي، فقد حدث أن تاجراً تركياً شهدني وأنا أوجه أداة المساحة التي كانت معي ناحية المدينة، فثار في نفسه الفضول، ودنا فنظر إلي من خلال الزجاجة وإذ رأى البرج من خلالها عاليه سافله، تملكه الخوف، وذهبت نفسه شعاعاً من الفزع، فانطلق هارباً، وراح ينشر في المدينة خبراً غريباً مؤداه أنني أريد أن أقلب المدينة، وانتهى الأمر إلى الحاكم، ومنذ ذلك اليوم امتنع خادمي التركي عن المشي معي.

واتفق مرة أنني وأنا في إحدى قرى الدلتا كنت أقيس بعض الزوايا وكان أحد الفلاحين واقفاً عن كثب مني فردت أن أمتحن شجاعته فجعلته ينظر من خلال الزجاجة، فراعه أن يرى قريته المحبوبة عاليها سافلها، فاشتدت رعدته، وزاد خوفه عندما أشرت إلى الخادم أن يقول له أن الحكومة قد غضبت على هذه القرية فأرادت أن تدمرها تدميراً، وقد جئت لهذا الغرض، ففزع الرجل، وتوسل إلي أن أنتظر بضع دقائق فقط حتى يستطيع أن ينقذ زوجته وبقرته، وإذ ذاك أفلت تاركاً ساقيه للريح يريد بيته قبل أن يخر عليه السقف وعدت أنا ثانية إلى الزورق الذي جئت فيه.

وبعد أن أقامت الجماعة بالإسكندرية قليلاً سافرت إلى رشيد وقد وصفها نيبور وصفاً يكاد يجعل رشيد اليوم نجعاً صغيراً بجانب رشيد الأمس، إذ كانت في ذلك العهد ثغراً من أكبر ثغور البلاد المصرية - قال نيبور وقد حدث أن فرداً منا يسمى فورسكال، أبى إلا أن يسافر إلي عن طريق البر، وكان المسافر عرضة لسطوا العرب الأفاقين المتجولين في ذلك الإقليم، وقد كان من هذه المخاطرة أن جاء زميلنا وليس عليه إلا بنطلونه فقط، لأن العرب باغتته في الطريق فسلبته كل ما يملكه، ولكن هزتها أريحية الكرم، فأبقت له بنطلونه.

وانحدرت البعثة بعد ذلك إلى القاهرة، فبعد أن وصف كثيراً من آثارها وأحوالها وموقعها وقلعتها قصر الباشا والإنكشارية قال كثيراً ما يخطئ السائحون في تقدير عدد سكان المدن في الشرق، وكذلك القاهرة لأن ضيق شوارعها وطرقها تدعو إلى التوهم أنها آهلة بالسكان مزدحمة بالأهلين، وفي عدة من الأحياء دروب ضيقة طويلة لا تنتهي إلى شارع. ولا