للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الليل يكون عدد الميكروبات المتطايرة في الهواء أكثر من أية ساعة أخرى من ساعات اليوم، وإن مقدار الميكروبات في الساعة الثالثة من الصباح والساعة الثالثة من المساء (بعد الظهر) أقل من أية ساعة أخرى وطريقة ذلك أنه أخذ عينات من الهواء في ساعات مختلفة من النهار وأجرى فحصها أدق الفحص، واستطاع بالدقة أن يعرف مقدار الميكروبات الموجودة في كل بوصة مكعبة منها، وسرميل الجراثيم إلى الساعة التاسعة في الصباح وحبها للساعة التاسعة من الليل هو حركة الناس في هاتين الساعتين إذ يبدأ القوم في الخروج من بيوتهم من الساعة السادسة إلى التاسعة ويعودون في مثلها من المساء إلى دورهم من أعمالهم أو يمرحون في الشوارع بحثاً عن اللهو والرياضة وترويح النفس. وقد لاحظ أنه لا تكاد الساعة السادسة من الصباح أو المساء حتى تبدأ في الجو أعراض تنبئ بحلول هجوم الميكروبات، ثم تأخذ كتائبها في الزيادة، والازدحام حتى تملأ الفضاء في الساعة التاسعة وفيها الكتيبة الصالحة، وفيها الشرادم الخطرة المخيفة ثم تأخذ بعد ذلك في الإختفاء والغروب حتى تكون الساعة الثالثة.

القرائح الفياضة والقرائح الناضبة

من الكتاب والمؤلفين كثيرون مقلون، لا يكاد الكاتب منهم ينتهي من السطر الثالث أو الخامس حتى يتصبب جبينه عرقاً، وتنضب قريحته، ولعله لا يعاود الكتابة إلا بعد حين، وكثيرون مثلهم يستغرقون وقتاً طويلاً في التأنق وإكراه المعاني على الحضور إلى أذهانهم والتجويد في انتقاء اللفظ الفخم والعبارة الرقيقة، وقد يرتحلون عن الدنيا ولم يستطيعوا أن يخرجوا للعالم غير كتاب واحد أو نصف كتاب، ولعل القراء يذكرون الآن كتاب (عيسى بن هشام) فهو على تفاهته لا يزال الجزء الأول، وسيمضي هذا القرن، وتتتابع مراحل المستقبل، ولا يزل على حاله الأولى من النقص، وكثيرون من كتاب هذا البلد يعدون في الأدباء الكبار والكتاب المعروفين، ولم يكتبوا في حياتهم أكثر من بضع صفحات، ومنهم من لا يعرف إلا بقطعة واحدة، لا يزال الحكم فيها كذلك متبايناً، ولعلها أقرب إلى السخف والركاكة وبرودة المعنى، وأغرب منه أن رجلاً يعده الملتفون حوله أديباً وهو لم يكتب إلا قطعة صغيرة تافهة منذ خمسة عشر عاماً، وهو يقرؤها الآن على الناس من ذاكرته ويتلوها غيباً كما يقوا العامة. على أن هناك كتاباً كثراً لا تستطيع أن تحصي عدد ما خرج