للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مواتية لظهور ذكائهم، أما إن يكون ذلك راجعاً إلى جهل المعلمين والآباء إذ يحسبون العبقرية وهي في دور الذهول والبلادة في الطفل بلاهة أو غباء وحمقاً، وكثيرون من الأطفال كانوا يعدون في المدرسة أغبياء أو حمقى أو طائشين ثم أصبحوا بعد ذلك عظماء ونوابغ، ولم تلبث أن ظهرت عبقريتهم عندما سنحت الفرصة لإظهارها أو عندما اهتدت أذهانهم إلى الطريق الملائمة لعبقريتهم، ونذكر من هؤلاء بلزاك وديماس الكبير والدوق ويلنجتون القائد الإنكليزي العظيم والروائي الخطيب شريدان والشاعر بيرنز، وكان نيوتن مكتشف قانون الجاذبية آخر أقرانه في الفرقة، يوم كان تلميذاً، وكان ولتر سكوت غبياً مكسالاً في المدرسة، ولكنه ظهر بعد ذلك أكبر الروائيين، وأما جوستاف فلوبير فتعلم القراءة في طفولته بكل مشقة وجهد، ولكنه في الوقت نفسه كان يضع في ذهنه روايات تمثيلية كثيرة، وكان لا يستطيع كتابتها، فاجتزأ عن ذلك بأن أخذ يمثلها بنفسه ويقوم هو بجميع أدوارها.

ويجئ بعد ذلك الذهول أو الغيبوبة، وقد وصف كثيرون من العبقريين أنفسهم وهم تحت تأثير الإلهام فقالوا أن حالتهم إذ ذاك تشبه حمى بهيجة مفرحة. تثير تفكيرهم وتبعث أذهانهم على التخيل والغياب في أبعد مراحل التصور والفكر. ومن ذلك يقول بول ريختر إن الرجل العبقري في نظري هو رجل منوم، يرى في حلمه الهادئ أكثر وأبعد مما يراه في صحوه ويقظته، وهو في هذا الحلم يبلغ أسمى جبال الحقيقة والرجل العبقري في ذلك مدفوع بإحساس لا يستطيع رده، وكما تدفع الغريزة الحيوان إلى إتيان عمل قد يكون فيه موته، تجد العبقرية كذلك عاجزة عن مدافعة ما يثيرها من الإحساس الداخلي الغريب. وقد غزا نابليون غزواته، وأغار الإسكندر غاراته. لا حباً في المجد ولا رغباً في الشهرة والفكاهة. ونما إطاعة إلى غريزة قوية ل قاهر لها، وكذلك العبقرية تخلق وتبتكر لا رغبة في الإيجار ولكن لأنه يجب أن تخلق وتبتكر.، حتى لقد قال نابليون إن نهاية وقائعه كانت نتيجة لحظة واحدة من التفكير، إذ تظهر اللحظة القاطعة، فتسطع شعلة الفكرة، فإذا به يرى نفسه منتصراً، وقال لامارتين لست أنا الذي أفكر، إن أفكاري، إن أفكاري هي التي تفكر عني وكثيراً ما كان يقول الشاعر جوت أنه لا بد للشاعر من التهاب الذهن، وقد نظم جوت أكثر شعره وهو في حال بين النوم واليقظة، وكتب فولتير جزءاً كاملاً من كتاب الهنريات