ولعل أقرب ضروب الشبه بين العبقريين والمجانين، لا يقع لا عندما يكون أهل العبقرية تحت تأثير الإلهام، والأعراض التي تبدو على الرجل العبقري عندما يكون في هذه الحال هي سرعة النبض وإصفرار المحيا وبرودة الجلد والتهاب الرأس من الحمي وزيغ البصر من ظهور بريق موحش مخيف في العينين، وكثيراً ما يحدث أن الشاعر أالكاتب لا يدري ماذا كان يكتب أو ينظم عندما يفيق بعد ذلك من الحمى التي انتابته. فقد كان الشاعر تاسو نظهر عليه كل عوارض الجنون، عند ما كان يأخذ في نظم قصائده. . ومنهم من يضطر إلى إحداث الإلتهاب في ذهنه بأية وسيلة وسبيل لكي يقع له التفكير، ويواتيه الشعر والخيال، فكان شيللر يضع رجليه في الثلج، وروسو لا يفكر إلا إذا عرض رأسه لأشعة الشمس وهي في أشد وهجها، وكان الشاعر شللي يرقد ورأسه على مقربة من الموقدة وقد يتحول الإلهام في بعض الأحايين إلى الهذيان. فقد كان ديكنز وكليست يحزنان على الأبطال الذين يضعانهم في روايتهما، وقد شوهد الشاعر كليست باكياً متحدر العبرة، جازعاً كاسف البال، بعد انتهائه من كتابة إحدى رواياته التراجيدية، وهو يقول صارخاً لقد ماتت. لقد ماتت! وأشد ما يتجلى في النوابغ والعبقريين شدة الإحساس، حتى إن كارليل وموسيه وفلوبير كانوا لا يستطيعون احتمال ضوضاء الشوارع وأصوات النواقيس، ولهذا كانوا لا يقيمون في منزل واحد، وإنما يتنقلون من شارع إلى شارع، ومن مسكن إلى مسكن، هرباً من الأصوات. وقد تشنج الشاعر بيرون عندما رأى الممثل كين يمثل فوق المسرح. وقد رأى المصور فرانسيا يوماً صورة من صور روفائيل، فمات لساعته من شدة الفرح وتبدو لهم طعنات خناجر ومدى وسكاكين، ما يبدو لغيرهم وخزات الإبر، فإن الشاعر شاتو بريان لم يكن يحتمل أن يسمع مديحاً موجهاً إلى إنسان ما، ولو صانع أحذيته، دون أن يثور ثائره، ويهتاج حنقه، وقد شوهد الشاعر الروسي بوسكن في دار التمثيل والجمهور منصرفون في ختام الرواية، متزاحمون عند الباب يعض من الغيرة والحنق كتف إحدى السيدات، وكانت تمشي إلى جانب زوجها، وذلك لأنه كان إذ ذاك يميل إليها. وإن الفيلسوف شوبنهور كان رفض أن يدفع للدائنين الديون التي عليه إذا كتبوا اسمه بالباء المشددة بدلاً من باء واحدة وآخر ما نذكره من الأعراض التي تظهر على النوابغ السخافة،