أمر المؤمنين عمر بن الخطاب بجلد ابنه ولكن هل تظن أن هذا الأمر كان سهلاً عليه! وهل صمم عليه من أول وهلة حينما ظهرت له إدانة ابنه!
إن دون الوصول إلى هذا الحل عراكاً شديداً بين حب الإبن وحب العدل وحاد للغاية، لا يصبر عليه إلا كل بطل شجاع كعمر بن الخطاب والفضل في فض الخلاف وترجيح إحدى الكفتين راجع إلى يقين عمر وإيمانه العظيم وإيثار الآخرة على الدنيا واعتقاده بأن العقاب يطهر النفس ويشفع في غفران الذب وبعبارة أخرى خوفه من الله سبحانه وتعالى وعذابه وإلى حبه لابنه وتوخيه الأنفع والأصلح بأن اختار له نعيم الآخرة لأنه أعظم وأبقى.
وحب الإنسان لابنه شكل من أشكال حب الذات بل هو بعينه إلا أنه أوسع وأعم وكذا الخوف من الله نوع من أنواع الحب الذاتي. فالحب الذاتي هو الذي هيج عواطف عمر وأثار أشجانه وهو الذي هدأ روعه وأنزل السكينة وأملى عليه الواجب.
وهو الذي حمل السمو أل على الوفاء بعهده وتضحية ابنه وإيثار الثكل على أن يشوه سمعته ويسلم شرفه ويسلم سلاح امرئ القيس لأعدائه.
وهو الذي يحمل الجندي على الإستماتة في الدفاع عن بلده والاحتفاظ بترث أسلافه. إن منشأ حب الوطن آتٍ من تمتع الإنسان بخيرات بلاده ونعيمها - ووجود مصالحه فيها فهو إن دافع عنها فإنما يدافع عن نفسه وأهله وقوته وماله.
وكلما كانت المصالح الشخصية أكثر التئاماً مع المصالح العمومية كانت الأمة أقدر على الدفاع عن نفسها والأفراد أشد تفانياً في حبها يدافعون عنها وكأنهم يدافعون عن أرواحهم ويلقون بأنفسهم في غمار الحرب لا طلباً للموت وإنما حباً في البقاء واحتفاظاً بحريتهم وحقوقهم.
يقول جوستاف لوبون إن وطنية الإنكليز والأمريكان والألمان قوة عظيمة دونها قوة المدافع وكل أمة فقدت وطنيتها فعن قريب تفقد كل شيء.
نسي جوستاف لوبون أمته ولكن نحن لا ننساها فإنها في طليعة الأمم التي تتقد حمية وتشتعل وطنية فقد دكت المدافع الألمانية حصون فردان وصيرتها أطلالاً بالية وغيرت معالم أرضها وجعلت عاليها سافلها ولكن فردان لم تؤخذ لأن الأمة الفرنساوية أبت أن تسلمها واستعاضت عن الحصون بصدور أبنائها الأبطال فثبتت هذه حيث لم تثبت تلك لأن