للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حشوها الغيرة والحماسة والوطنية وهل للمدافع سلطان على هذه العواطف.

ولا غرو أن يكون الإنكليزي والفرنساوي بهذه الوطنية فإن حكومتيهما من خير الحكومات حرية وعدلاً وأكثرها عطفاً على أبنائها ورعاية لمصالحهم.

لا توجد الوطنية إلا حيث توجد الحرية والعدل ولا يدعو إلى انقسام البلد وتفرقها أحزاباً وطوائف إلا اختلاف المصالح ولا تنشأ الثورات والفتن إلا عند وجود هيئة حاكمة متمتعة بخيرات البلد وهيئة محكومة تتقلب على الذل والفقر. وإذا ثبت أن الحب الذاتي أثاث كل عاطفة شريفة وإحساس راق كما أنه جرثومة الشرور ومدعاة الفساد فمن الحمق إبادته وإزالة أثره من النفس ومن المحال نزعه إلا بنزع الحياة ولولاه لما نشطت الهمم وتسابقت الأمم والأفراد في مضمار المدنية بل لماتت الإنسانية في مهدها وكل ما يستطاع عمله ويحسن بنا أن نفعله هو أن نتوخى له سبيل الرشاد قدر الإمكان ونبتعد به عن مهاوي الفساد، أما تطهير النفس منه فمحال وضار للغاية.

وقد حاولت الإشتراكية من أول وجودها أن تبني نظامها الإجتماعي والإقتصادي على مبدأ نكران الذات فأخفقت إخفاقاً تاماً لا لأن مبادئها لم ترق في أعين الجمهور بل هي بالعكس خلابة تبهر الأبصار وتستهوي العقول وإنما لأنها لم تهتد إلى دافع غير الحب الذاتي يدفع الأفراد إلى العمل ولهذا رجعت بعض الفرق الإشتراكية عن مبدأ المساواة التي بدأت منه واعترفت بالحب الذاتي وإنما تحاول فقط تنظيمه وتنسيقه وتطهره من الشرور، وقد سعت الإنسانية إلى هذه الغاية بأديانها وقوانينها وشرائعها وما زالت تسعى فهل تصل إلى بغيتها وهل يصبح الإنسان ملكاً لا يتقاسمه الخير والشر! ولا تخالج نفسه الأفكار السيئة! لا أظن.

عبده البرقوقي

المحامي