وإن أضعف الملوك رأياً وأوهنهم عقلاً من رضي بصدق الأمير - وسخط الرشيد على حميد الطوسي فدعا له بالسيف والنطع فبكى فقال ما يبكيك قال والله يا أمير المؤمنين ما أفزع من الموت فإنه لا بد منه وإنما بكيت أسفاً على خروجي من الدنيا وأمير المؤمنين ساخط علي فضحك وعفا عنه وقال: إن الكريم إذا خادعته انخدعا: وكتب علي بن عيسى الوزير عن المقتدر كتاباً إلى ملك الروم فلما عرض على المقتدر قال فيه موضع يحتاج إلى إصلاح فسألوه عن ذلك فكان قد كتب في الكتاب أن قربت من أمير المؤمنين قرب منك وإن بعدت عنه بعد عنك فقال ما حاجتي إلى أن أقرب منه. اكتبوا إن قربت من أمير المؤمنين قرب وإن بعدت عنه أبعدك - وقال أبو عبد الله ابن حمدون النديم: لقد رأيت الملوك فما رأيت أغزر أدباً من الواثق، خرج علينا يوماً وهو ينشد لدعبل بن علي الخزاعي:
خليلي ماذا أرتجي من غد امرئ ... طوى الكشح عني النوم وهو مكين
وإن امرأ قد ضن عني بمنطق ... يسد به من خلتي لضنين
فانبرى أحمد بن أبي دؤاد كأنما انشط من عقال فسأله في رجل من أهل اليمامة فأطنب وأسهب وذهب في القول كل مذهب فقال له الواثق يا أبا عبد الله لقد أكثرت في غير كثير فقال يا أمير المؤمنين إنه صديقي:
وأهون ما يعطى الصديق صديقه ... من الهين الموجود أن يتكلما
فقال الواثق وما قدر اليمامي أن يكون صديقك، ما احسبه إلا من عرض معارفك فقال يا أمير المؤمنين إنه قصدني في الإستشفاع إليك وجعلني بمرأى ومسمع من الرد أو القبول فإن أنا لم أقم له هذا المقام كنت كما قال أمير المؤمنين آنفاً:
خليلي ماذا أرتجي من غد امرئ ... طوى الكشح عني اليوم وهو مكين
فقال الواثق لمحمد بن عبد الملك الزيات أقسمت عليك إلا عجلت لأبي عبد الله بحاجته ليسلم من هجنة الرد وكدر المطل.
ـ ولما ولي أبو جعفر المنصور الخلافة نهد إليه إبراهيم بن هرمة الشاعر ممتدحاً فلما دخل عليه أنشده شعره الذي يقول فيه:
له لحظات عن خفاء سريرةٍ ... إذا كرها فيها عقاب ونائل