وإنما كان بدنا مندمجاً جامعاً بين الذكر والأنثى في جسد واحد فكان زوجاً وزوجة يشتركان روحاً وجسداً. ولا حاجة بنا إلى القول بأن هذا الإنسان المركب قد كان في منتهى الكمال والهناء فكان كل فرد مزدوج منه يعيش ملتئما متحداً لا يفكر في الانفصال ولقد أبطرت السعادة هذا النوع، وقديماً ترافق البطر والسعادة، فانقلبوا على الآلهة ونفضوا عنهم مخافة الأرباب. قال فأراد الآلة الاقتصاص منهم وقال قائل منهم إننا إن نقتلهم نيأس مما يقدمونه لنا من البخور والنذور فاختاروا لهم معشر الآلهة قصاصاً غير القتل. وبعد أن تشاوروا ما أجمعوا على أن يكتفوا بايهان قواهم فعمدوا إلى كل إنسان فشقوه شطرين، فانفصمت وحدته وضعفت بذلك منته.
ومنذ ذلك العهد انقسم النوع الإنساني رجالاً ونساء. بيد أن ذلك الانقسام لم يمح من أنفسهم تلك الذكرى القديمة فما زال كل شطر يصبو إلى شطره ويتلهف عليه فينقب عنه ويفتقده حتى إذا التقيا تضاماً باشتياق وابتهاج وأخذا في عناق والتزام ووفاق والتئام.
ولكن كثيراً ما كانت الأشطر تضل الاهتداء إلى بعضها فتتصل بغير شطرها. ففي هذه الحال يعودان إلى الفراق والطلاق ولا يزالان في انطباق وافتراق واتصال وانفصال حتى يعثر كلاهما بجزء يندمج فيه كل الاندماج ويطابقه تمام الانطباق
كذلك ارتأى أفلاطون منشأ الشقاق والوفاق بين الأزواج ولو أتيح لي أن أكمل هذه الأسطورة الأفلاطونية لقلت وهاك أسطورتي:
بعد أن شق جوبيتير الذكر والأنثى ندم على ما أحله بنوع الإنسان من النقمة الشديدة وأخذته الشفقة على عبيده في الأرض بعد أن عاين ماحاق بهم من الويل واستولى عليهم من القلق فباتوا وقد هجرتهم السكينة وفرت منهم الطمأنينة ورأى كيف أنهم مالبثوا منذ حلت بهم نقمته يضجرون من الحياة ويتأففون من هذا الوجود ويحسبون ما وهبهم من نعمة الحياة شقاء وبلاء قد أصبح النوع الإنساني منذ ذلك الحين ولا هم له إلا الأسف على ذلك التآلف القديم والحنين إلى استرجاعه فعطلوا العلوم وكفوا عن الأعمال ولم يجدوا في ملذات الدنيا ومسراتها ما يملأ ذلك الفراغ الذي أحدثه في كل جسد بعد نصفه عنه.
فصحت نية ذلك الإله الغفور الرحيم على أن يصفح عن زلتهم ويتجاوز عن رعونتهم وطيشهم وإذا كان لا سبيل إلى ذلك التآلف وجوبيتير لم ينس بعد عصيانهم وتألبهم على