للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قوة هجماتهم في الخوان، وكل رجل لا يريد أن يحتمل كلمة دباغ يجب أن نقول عنه دباغ سابقاً أو دباغ في الإجازة أو دباغ متقاعد أو دباغ تحت الإختبار لأنه إما أن يكون ولوعاً بالطعام فأسرف فيه حتى بشمت معدته، وتعطلت أمعاؤه، وأما أن يكون قد خلق ممعوداً مريضاً مهزولاً - يعيش في حسرة دائمة، وحزن طويل، ولكنه يحيل إقلاله من الطعام في الولائم والإكتفاء باليسير من المآكل في المآدب، إلى مظهر من مظاهر الحياء والقناعة والرضى بالقليل.

وأنا أقول أن حياء الناس من هذه الوجهة هو ضرب من الرياء الإجتماعي والسفسطة الكاذبة، لأننا قد خلقنا لكي نأكل، ونعيش لكي نأكل، ولا نصدق أبداً أننا نأكل لنعيش. وإلا لما خلقت معنا الديوك الرومي والحمام والسمان وصيد البر والبحر، ولما فكر الطهاة في اختراع البفتيك والروستو والساندويش وكل ما لذ وطاب، ولو كان الأكل فقط لكي يسد الإنسان أرماقه، ويمسك على مادة الحياة فيه، لاكتفى كلنا باليسير من الطعام، وأصبحنا جميعاً معريين نخشى أن نرى الديك مذبوحاً، والعجل - ولا مؤاخذة أيها القراء - مهدور الدم، ولما تكالب الناس على الحياة تكالبهم اليوم، وطمع رجل في أن يأكل أبدع مبتكرات الطهاة، وأذ ما جاء في قوائم اللوكاندات وترك ملايين من الناس تأكل. . . . بعضها. . . مع أنه لم يصل إلى الظفر بطعامه الفخم، ومآكله الدسمة، إلا بعد أن فتح نفسه بأكل لحوم ألوف من الفقراء والذين تحت يده في عمله أو مصنعه أو مزرعته، ولعل الأغنياء يجدون اللذة الكبرى، والمذاق العذب اللطيف، في طعم اللحم الآدمي، لأنهم يريدون دائماً أن يستكثروا منه، ويظهر أن اللحوم الآدمية تقوي الأسنان، واللثة، وتفيد الأعصاب، وتحجر القلوب، وهذا هو السبب الذي بعث الأغنياء والأكابر على اعتياد تناول هذا الأبيراتيف قبل الجلوس إلى مائدة العشاء، بعد أن يكون قد دخل في جيوبهم وخزائنهم مئات الألوف، وخرج العمال من عملهم في مصانعهم وأشغالهم وشؤونهم بثمن الفول المدمس.

والآن لغضب مني الدباغ القديم، وليصرخ في الشوارع، وليطلبني في ساحة المحكمة، لأني جئت أستلب منه إسماً يقال أنه ألقى إليه وهو لا يستحقه، لأنه نحيف، صغير المعدة، ومن المقلين في الأكل والأدب معاً، إذا تجاوزت معه في نصيبه من الثاني، وعلى أني لا أصدق أنه أديب ولو نظم ونثر - وأذن فلا مناص لنا من أن نسميه دباغ كؤوس أو دباغ وسكي