لمعرفة ما هو مقدر حدوثه من الظواهر والأحداث للنظر في اتخاذ الأهبة لها وتدبير ما يصلح نحوها وبالجملة فإن خطة العلماء هي تقدير الحوادث وتدبيرها.
فمن ذلك مثلاً أن العالم الطبيعي لا يهمه أكانت نظرية التموجات الضوئية فرضاً من الفروض أم حقيقة من الحقائق ما دامت تؤدي إلى الغرض المقصود وكذلك العالم البسيكولوجي (النفسي) سواء لديه أكانت نظرية توافق بعض الأحوال العصبية مع بعض الحركات النفسية فرضاً أم حقيقة ما دامت تصح دائماً في مقدماتها وفي نتائجها. فالمعول عليه إذن هو معرفة ما ينتظر حدوثه في المستقبل على ما تريد ويكون على مقتضى ما نود أن يكون هذه هي خطة العالم وكذلك يجب أن تكون خطة المشتغل بعلم البسيكولوجيا (النفس). وقد سرنا على هذه الخطة في تأليف كتابنا هذا.
فقد بحثنا فيه عن أسباب وهن الإرادة وضعفها في أيامنا الحاضرة. ومن رأينا أن الدواء الشافي يجب أن يلتمس في تربية وجدانات النفس وعواطفها وتقويتها وإنمائها. ولقد يصح أن نطلق على هذا الكتاب العنوان الآتي: مباحث في الوسائل التي بها نولد في نفوسنا العواطف الضارة بتلك التربية ونمحقها بحقاً. وسيرى المطلع على هذا الكتاب أنا قد وفينا هذا الموضوع حقه من الشرح والتبيين وبذلنا جهد الطاقة في هذه المباحث ذات الشأن الجليل والمكانة النبيلة.
ولم نجعل بحثنا في الكلام على الإرادة من وجهة عامة مجردة بل قصرنا جل عنايتنا على الكلام في تربية الإرادة لدى المشتغلين بالأمور العقلية التي تحتاج إلى جهد طويل ودأب وصبر. وفي اعتقادنا أنه سيكون جزيل النفع جليل الأثر لدى طلاب المدارس وسائر من يشتغلون بعقولهم.
طالما سمعت الشبان يشكون من عدم وجود كتاب يشرح لهم الأساليب الموصلة إلى قوة الإرادة وامتلاك زمام النفس فها أنا ذا أقدم إليهم اليوم ما أفادتنيه أربعة أعوام قضيتها في البحث والتفكير في هذا الموضوع الخطير.
مقدمة الطبعة الثانية
للمؤلف
إن استقبال الصحافة الفرنساوية والأجنبية لهذا الكتاب بالترحاب والحفاوة التنويه بذكره