للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهل تعجب بعد ذلك إذا طرق الشبان أبواب الحياة وهم ضعفاء الإرادة قاعدو الهمة تسير بهم الحوادث رغم أنوفهم كيف شاءت.

لم يدر بهم أحد على الصبر وطول الأناة والتجرد من الهوى والغرض والنظر إلى الأمور نظر الباحث المشكك والشك أول مراتب النظر الفلسفي.

تضيق صدورهم عن قبول الآراء المستحدثة التي لم يألفوها لأن الغرور متمكن من نفوسهم فلا يكادون يفقهون أن ما يعملونه بالنسبة إلى ما يجهلونه كالقطرة بالنسبة للبحر أو الذرة إلى الصخر ولم يتشبعوا بالحرية الحقة ولم يتعودوا على تحري روح الحقيقة والتماسها في مباحثهم، تلك الروح التي تعيش في ظلها المذاهب المتضادة وتحيا تحت كنفها الآراء المتناكرة المتنافرة. بل تراهم يتعصبون لمذهب دون مذهب وينصرونه على ما عداه من غير ما تدبر ولا تفكير فيضلون سواء السبيل وتعجز مداركهم عن فهم المباحث الراقية أي عن خدمة الحقيقة.

والحقيقة أحق ما ينبغي على المرء أن يشد إليها الرحال ويبذل دون الحصول عليها نفسه ونفيسه لأن أقصى أمانيه أن يكون حراً والحرية لا تعدو معرفة الحقيقة وكشف الغطاء عنها.

فإن شئت أن تكون حراً فاجعل كل ما يصدر عنك من الأعمال مطابقاً لحقائق هذا الوجود.

ويتلخص مما تقدم أن الحرية تستلزم حتماً الوقوف على النواميس التي تسير عليها أمور هذا الوجود الظاهرة أو الباطنة وأن يطلع الإنسان على أسرار قوى نفسه أي معرفة ذاته ومن غير هذين الشرطين أي العلم بنواميس هذا الكون والعلم بأسرار قوى النفس يستحيل رقي شخصية المرء ووصولها إلى درجة الكمال.

ولا يتيسر الوصول إلى هذين العلمين إلا بالعمل والسعي بإدراكهما. وللعمل آثار على المرء إذا راقبها عن كثب واستطلع طلعها نفذ فكره من ذلك الحجاب الكثيف الذي يغطي أمياله ومنازعه المكتنة في أعماق نفسه وامتد نظره إلى ما وراء المعتقدات الشائعة والمؤثرات الناشئة من أحوال الناس وعاداتهم ومصطلحاتهم التي تقسر المرء على مجاراتهم من غير روية وتسدل على نفسه ذلك الحجاب الكثيف. فإذا نفذ فكره وامتد نظره إلى ما وراء ذلك تجلت له ذاتيته الصحيحة مجردة من كل شائبة.