من كان مرعى عزمه وهمومه ... روض الأماني لم يزل مهزولا
واستنامته إلى الأحلام والأماني فيما ينشد، وجزعه من الشقة وبعد الشقة. إن المطالب لا ينالها إلا بعيد الهمة، ذاك الذي يبذل في سبيل غرضه الجهد يعقبه الجهد لا يثنيه حب الراحة ولا يلويه عن قصده المجاشم وطالما كان الكسل عقبة كأداة في سبيل إدراك ما يبتغيه المرء لأنه يجذبه إلى الراحة كما تجذب خاصة الثقل الأجسام نحو الأرض.
ولا يمكن أن يقوم في وجه الإرادة ويعرقل سيرها ويشل حركتها ويخمد جذوتها إلا قوة ثابتة مستمرة. فإن قيل أنها الشهوات قلنا أن الشهوة من طبيعتها سريعة الزوال فلا تثور حتى تسكن بل إنها كلما اشتدت كانت أسرع إلى الهمود والخمود اللهم إلا في بعض أحوال شاذة تستبد فيها الشهوة الإنسان وتتسلط عليه فتكون شغله الشاغل آناء الليل وأطراف النهار وهذه الحالة قريبة من الجنون. فإذا تقرر ذلك وكانت الشهوة ليست دائمة البقاء فلا يصح اعتبارها من العوائق الكبرى في سبيل الإرادة وقد يستطيع صاحب الشهوة في أثناء ركودها وسكونها أن يأتي بأعمال كبيرة ويقوم بمهام عظيمة.
أما العقبة الكبرى في سبيل الإرادة فهي حالة نفسية طبيعية ذات آثار فعلية بادية للعيان تسمى الكسل أو قعود الهمة فكلما حاول الإنسان مجهوداً في عمل من الأعمال كان عليه أن يقاوم هذه الحالة النفسية الثابتة ويشهر عليها حرباً عواناً وربما لا يكون الفوز مضموناً فيما يحاوله من التغلب عليها وقهرها.
وإنما قلنا أن هذه الحالة النفسية طبيعية لأن الإنسان في مبدأ الخليقة لم يندفع إلى العمل والسعي إلا بعد أن استحثته الحاجة وساقته إلى ذلك مكرهاً. ولقد أجمع رجال الأسفار ممن جابوا الآفاق ودرسوا حالة الأمم الهمجية على أن هذه الشعوب مرتطمة في حمأة الخمول والكسل ولا يبدو منها ما يدل على أنهم يبذلون أي مجهود. وقد أصاب الموسيو ريبو في قوله أن قوة الانتباه الإرادي لا بد أنها أول ما ظهرت كان ذلك لدى نساء الأمم الهمجية لأن الرجال كانوا يحبسون نساءهم ويكلفونهن القيام بشاق الأعمال بينما هم يتفيأون ظلال الراحة والكسل.
ولماذا نذهب بعيداً وننظر إلى الماضي وأمامنا اليوم زنوج أمريكا يبيدون وينقرضون يوماً بعد يوم ولا يحرك ذلك عزائمهم ويستحثهم على معالجة أي عمل يعود عليهم بالسعادة