والرياضة في الغابات فإنها لذات لا تبرم بها النفس أبداً وفي وسع الإنسان أن يعود إليها كلما أراد ولكن الكسول لا يعرف الطريق إليها والاستفادة منها والاستمتاع بها لأنه في شغل عنها بلذات أخرى تجعل حياته خالية من كل معنى. وبالأعراض عن تلك اللذات النافعة تفلت من يده لأنه لا يعرف كيف يقبض عليها بكفه. ولقد صور سان جيروم هذا الكسول فقال إن مثله مثل الجندي الذي صور شاهراً سيفه فإنه يظل طوال حياته رافعاً سيفه في الهواء لا يهوي به. كذلك الكسول تتردد الأماني والرغائب في إنحاء نفسه ولا يستطيع تحقيق شيئ منها ما بقي حياً.
عاى أن الكسل الطبيعي المغروس بالفطرة في النفس لا يمنع من أن تهب النفس أحياناً وتندفع إلى العمل بقوة وعزيمة. فليست المجهودات العنيفة هي التي تجزع منها الأمم الهمجية بل العمل المذكور المتكرر والثبات والدأب لأن ذلك يستنفد من القوة ما لا تستنفده المجهودات الشديدة. ولعمري أن إنفاق الأموال القليلة التافهة يربى مع الإستمرار والتكرر على المقادير الطائلة التي تنفق مرة ثم يعقب ذلك إمساك وشح. فالكسالى يصيرون على كل نضال يفتقر إلى جهد عنيف مؤقت تعقبه راحة وسكون. ولقد أسس العرب دولة واسعة الأطراف غير أنهم لم يستطيعوا الإحتفاظ بها نظراً لما ينقصهم من أخلاق الثبات والدأب في بذل المجهودات لتنظيم إدارة تلك البلاد التي افتتحوها وإنشاء الطرق بها وتأسيس المدارس وتعضيد الصنائع. وكذلك ترى الكسالى من طلبة المدارس عندما يقترب موعد الإمتحان يأخذون في مراجعة دروسهم بقوة وعزم ولكن الذي يزعجهم ولا يستطيعون إليه سبيلا هو الدرس المعتدل المنتظم المتكرر في كل يوم وليلة مدى عدة شهور وأعوام. لا طاقة لهم بمتابعة هذه لخطة المثلى، يسترسلون في خمولهم وكسلهم ثم يهبون دفعة واحدة عند اقتراب الإمتحان.
فالعزيمة الحقة ذات الآثار النافعة إنما تنحصر في المجهودات المعتدلة المستمرة المتكررة، وكل عمل يخرج عن هذا الضرب من المجهود من المجهود يعد من أعمال الكسالى. ثم إن كل عمل مستمر يستلزم بالضرورة وجهة له أو غاية معينة. فليس إذن في تعدد الأعمال التي يقوم بها المرء وكثرتها ما يدل على قوة إرادته بل الإرادة الصحيحة تكون بتوجه العقل بجميع وظائفه وقواه إلى غاية واحدة. وإنا واضعون لك نوعاً من أنواع الكسالى تجده