النواتي لا تساوره المخاوف إلا ريثما يحسن أن يقبض على الشراع ويقوي على تسخير الريح أو تصريف البخار. والجندي لا يجد الفزع إلى قبله سبيلاً ما دام يحمل على كتفه رامية متينة ويحكم التصويب والتسديد. وذلك النواتي الخبير يعد لكل خطر مفاجئ عملاً يتقيه به. فالتقلبات والطوارئ التي تخلع قلوب السفر هلعاً لا يقابلها الرجل إلا بإصدار الأوامر المتوالية والإشارات المتتالية. والأعاصير والتيارات والجنادل لا معنى لها عنده إلا أنها داعية العمل الكثير. لا أكثر ولا أقل. والصياد لا ترعبه الدببة والضواري التي يثيرها ولا الراعي يخاف ثوره كلا ولا مربي الكلاب كلبه العادي ولا العربى السموم.
. . . . . . . الشجاعة هي وزن الخطر وما يعادله من القوة كذلك هي في كل غرض ومعرض. سواء في شؤون الحياة أو العلم أو التجارة أو المجلس أو العمل. ومدارها في كل هذه المواضع على اقتناع النفس بأنها لا تقف أمام قوة أكبر منها. ويجب على القائد أن يقرر للجنود أنهم رجال وأن أعداءهم ليسوا إلا رجالاً.
فالمعرفة هي العلاج كله. فإن الوهم هو الخطر الحقيقي وهو منشأ الجبن والذعر وما أسهل ما تذعن العين. فإن الطبول والإعلام والخوذ اللامعة ولحى الجند وشواربهم كثيراً ما تتملك قلب المرء قبل أن تصل سيوفهم وحرابهم إلى جسده.
ولا ينبغي أن ننسى اختلاف البنى والأمزجة فإن لها أثراً كبيراً في استعداد المرء لمقاومة الطوارئ. وقد لاحظوا أن أضيق الناس خيالاً أقلهم خوفاً، تراهم يلبث أحدهم جامداً حتى يشعر بالألم. أما أصحاب الأمزجة الدقيقة الحساسة فهم يتوقعونه ويتألمون من خوف الألم أكثر من الألم نفسه.
ولا شك أن الوعيد يكون أحياناً أرهب للنفس من العقاب. وقد يمكن أن يحس المشاهد ألماً أشد مما يحسه المصاب. فما الآلام البدنية إلا وهم سطحي مقره في الجلد والأطراف والغرض منها أن تنبهنا إلى أخذ الحيطة لأنفسنا في حين اقتراب الخطر. وهي لا تتعمق في الإنسان إلى أعضائه الحيوية وأجهزته الرئيسية فقد لا تحس هذه ألماً حتى في حال الموت، وقد لا تتأثر حواس المرء بالجرح البالغ والصدمة القاتلة تأثرها بالخدوش واللكز الخفيف.